الجمعة، 19 أغسطس 2011

أعمال تطيل الأعمار..... صلة الرحم هل تطيل العمر على الحقيقة


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد النبى الأمى الكريم وعلى آهله وصحبه أجمعين ... ثم أما بعد ,,,,,
ـ لطالما كان الإنسان خائفاً من ميعاد موته وهو لا يدرى أيكون على طاعة أم على معصية .ودائما ما كان يتفرق به شمله عن إدراك حقيقة الخلق وحقيقة الدنيا ولذا لم يكن عمله سائراً على درب الطاعة  بل خلط عمله الصالح بآخر سيئاً . وربما استهان بعمل سىء فقصف أجله . ولربما استعظم عمل صالح ينجيه ويطيل عمره . ولأنه يظن أن الدنيا لن تزول وأنه فيها موجود ومعدود . وأن أجله مقدر وممدود . فلذا غفل واستغفل وفرط واستأمل ... فعاش لدنياه ونسى أنه راجع لمولاه فقطع رحمه وعق أمه وهى والله مهلكاته... ولو كان واصلاً سالماً  للسانه محسناً وجهه لطال عمره فى طاعة ومات وأدركته الشفاعة ..
ولقد وردت بعض النصوص فى الكتاب والسنة التى تدل على أن هناك بعض الأعمال على وجه الخصوص تزيد فى عمر المسلم حقيقة وبركة وكذلك هناك بعض المعاصى التى تقصر العمر..
ولقد دار خلاف خلاف كبير بين العلماء حول هذه المسألة : هل الزيادة فى العمر زيادة حقيقية أم هى زيادة فى البركة ؟ أى أن يزيد عمر الإنسان عما هو مكتوب فى أجله بعمل صالح فعله قبل موته فيمتد أجله ويتأخر ميعاد موته . أو أن ينتقص من عمر الإنسان عما قدر له بعمل سىء فعله .. وكان أهم الأعمال التى وردت أنها تطيل العمر هى صلة الأرحام .وأهم الأعمال التى وردت بنقص العمر هى عقوق الوالدين بخلاف حسابه عند الله  فى هذا وذاك .ومن هنا وجدنا أنه من الخير العظيم والنفع الجليل بحث هذا الأمر للوقوف على حقيقته . ولقد أفضت واستفضت فيه كثيراً وجمعت أغلب ما قيل فى هذه المسألة قديما وحديثاً ثم دلفت إلى التفاسير التى وردت لهذه النصوص . وبالله استعنت لتقديم خلاصة الأمر فى صورة نصيحة لنفسى ولأقدمها لغيرى عسى أن تنفع أحداً فيعمل بها فيكون لى عملاً قد يمنع عنى عذاب الله ويقربنى من جنته ..   
ـ وسأعمد إلى البساطة فى الشرح والسلاسة فى الورد وإننى دائما ً أريد أن أبتعد عن الأسلوب النمطى للأبحاث وأريد تقديم المعلومة بالشكل الذى لا يمله المطلع ...ولذا اخترت لهذا البحث شكل
الإتيان بالنصوص ثم أراء العلماء وتأويلاتهم على النصوص ثم الترجيح والنتيجة التى سنصل إليها والفائدة التي ستعم علينا من خلال هذا البحث ::
((   النصوص الواردة فى إثبات العمر وزيادته ونقصانه حقيقه   ))
النصوص من القرآن الكريم :      قال تعالى :
 (  يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )  الرعد,آيه 39  ...
2ـ (يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) نوح ,آيه 2 ..
3ـ (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) فاطرآيه11
 4ـ ( ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ‏ )‏ الأنعام‏ آيه 2 .
                                          ( الآيات بغير رسم المصحف الشريف )
النصوص من السنة أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام :
1ـ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.)) صحيح البخاري   ...... وفي رواية: من سره أن يُعظم الله رزقه وأن يمد في أجله فليصل رحمه. رواه أحمد  ـــ  الأثر : الأجل ، ينسأ : يؤخر
2ــ وَعَنْ عمرو بْنُ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم )) تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ )) انظر صَحِيح الْجَامِع : 2965 , الصَّحِيحَة : 276
وقال صلى الله عليه وسلم: (المرء يصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة ايام فينسئه الله ثلاثين سنة، وإنه ليقطع الرحم، وقد بقي من عمره ثلاثون سنة، فيصيره الله إلى ثلاثة أيام ) أبو الشيخ.
روايه من طريق آخر""قال أبو عبد الله (ع) : مانعلم شيئا يزيد في العمر إلاصلة الرحم .. حتى أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين ، فيكون وصولا للرحم ، فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة .. ويكون أجله ثلاثا وثلاثون سنة فيكون قاطعا للرحم ، فينقصه الله ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين . {البحار ج71}
  سنن الترمذي وغيره عن النبى : ( إن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه إياهم فرأى فيهم رجلا له بصيص فقال:من هذا يارب فقال: ابنك داود قال: فكم عمره ؟ قال :أربعون سنة قال: وكم عمري ؟ قال: ألف سنة قال: فقد وهبت له من عمرى ستين سنة فكتب عليه كتاب وشهدت عليه الملائكة فلما حضرته الوفاة قال قد بقي من عمري ستون سنة قالوا وهبتها لابنك داود فأنكر ذلك فأخرجوا الكتاب قال النبى فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته  )  صححه الألباني وروى أنه كمل لآدم عمره ولداود عمره فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين .
5ـ وعن  عَائِشَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ ))  صِلَةُ الرَّحِمِ ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ ، يُعَمِّرَانِ الدِّيَارَ ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ (( . حديث مرفوع) (حديث موقوف) 9 - 229 قال 9 - 229 قال  أَحْمَدُ  :  وحدَثَنَا  عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ  ،  قثنا  مُحَمَّدُ بْنُ مِهْزَمٍ  ،  عَنْ  عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ  .
6ـ عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعـود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله – (( إن أحـدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفه، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مـضغـةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويـؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد؛ فوالله الـذي لا إلــه غـيره إن أحــدكم ليعـمل بعمل أهل الجنه حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعـمل بعـمل أهــل النار فـيـدخـلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فــيسـبـق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )) . [رواه البخاري:3208، ومسلم:2643].
7ـ عن أبي هريرة قال: ((أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، ((فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر.))   حديث صحيح رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ...فهنا ثبت تغير العمر عما هو مكتوب فملك الموت حضر فى الميعاد المحدد لموت سيدنا موسى حسب ما هو مكتوب فى اللوح المحفوظ .
8ـ وفي الصحيح أن أم المؤمنين أم حبيبة  رضي الله تعالى عنها قالت: (اللهم أمتعني بزوجي رسول الله، وبأبي أبى سفيان، وبأخي معاوية فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد سألتِ الله آجالاً مضروبة، وأرزاقاً مقسومة، لن يقدم شيء منها ولن يؤخر)،
قال الإمام على رضى الله عنه :ـ وروى البزار بإسناد جيد والحاكم عن علي رضي الله عنه قال: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مَيْتَةُ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ .
وكما ترون أن هذه النصوص وغيرها التى وردت فى العمر والأجل أغلبها يتحدث عن أنه من الممكن أن يتغير العمر عما هو مقدر ومكتوب والبعض منها يتحدث عن أن الأجل مكتوب ومقدر فى اللوح ولا يتغير ...
ـ وكانت آية سورة الرعد (  يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ــ
 وحديث (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.)  أقوى أدلة القائلين بجواز تغير العمر ومده عما هو مقدر له ...
ـ ثم كان حديث : ( إن أحـدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفه، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مـضغـةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويـؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد.....) أقوى أدلة القائلين بعدم جواز تغير العمر عما هو مكتوب .
ومن هنا عرفنا أن مسألة تغير العمر بالعمل تبعاً لهذه الأدلة قد أنقسم له العلماء والفقهاء والسلف الصالح رضوان الله عليهم إلى رأيين بل وأكثر من رأيين... وكل له تأويل ورأى وأسانيد .
ـ وقبل سرد الأراء سوف أقوم بجعل الآية والحديث فى الصدارة اللذان كثر فيهما التأويل والأراء  والحوار واللذان تنازعت فيهما الآراء معلقاً عليهما بالتأويل اللغوى .
ـ الآيه : قال تعالى (( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )) (39) الرعد
التأويل اللغوى : للآيه :
سر إثبات الواو وعدم حذفها من لفظ ( يمحوا ) يعود إلى دلالة حرف الواو في الاستعمال اللغوي0  ، وهو في لغة العرب يشير دائمًا إلى الباطن والداخل، أينما كان موضع حرف الواو من الفعل ، فمعناه ثابت لا يتغير ولذلك فإن الواو تشير إلى النفس إذا كان الفعل صادرًا منها، وعن إرادتها، وأنها مالكة لقرارها، وليس مفروضًا عليها، فكانت الضمة وهي أخت الواو علامة على الفاعل دون المفعول به، وأن الفعل صدر من نفسه وإرادته، 
ولما كان الله تعالى هو المصرف للأمور، وأن إثبات أو محو شيء من اللوح راجع إلى الله وحده ، ولمشيئته، وليس لأحد سواه، فأثبتت الواو في ( يمحو )أي أن ما يمحوه الله أو يثبته موجود عنده سبحانه وتعالى0 أما في آية الشورى (وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ ) (24) فلقد حذف منها الواو لأن الممحو هو الباطل؛ (يمح الله الباطل)، لا علاقة له بالله سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل منـزه عن الباطل، وأن الباطل الذي يمحوه , هو عند غيره، وبعيدًا عن ذاته ونفسه، لذلك أسقطت الواو في الرسم العثماني زيادة في التأكيد على أن الله تعالى منـزه عن ذلك0
( 1 ) ـ أسرار الرسم العثمانى : أ / أبو مسلم / عبد المجيد العرابلي )
ـ الحديث :  قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.)) صحيح البخاري   .... وفي رواية: من سره أن يُعظم الله رزقه وأن يمد في أجله فليصل رحمه. رواه أحمد  ـــ  الأثر : الأجل ، ينسأ : يؤخر
التأويل اللغوى للحديث :
 سره : أفرحه من السرور والفرحة     يبسط : يوسع له في الرزق   . ينسأ له : يؤخر له في أثره في أجله وسمي الأجل أثراً لأنه يتبع العمر أو الذرية الصالحة والذكر الحسن من بعده    رحمه  : أى الأقارب وهو الذين بينهم وبين الإنسان نسب....
 دلالة بعض حروف وكلمات الحديث الشريف : جاءت الأفعال " يبسط وينسأ " أفعال مضارعة دلالة على الاستمرار ــ  تكررا كلمة " له " بعد الأفعال : دلالة على أن الله عز وجل يمن علي من يصل رحمه  إكراما له ــ  حرف " الفاء "  تحث على سريعة صلة الرحم  وعدم التباطؤ    ــ  فليصل رحمه :  جاءت كلمة الرحم مضاف إليها الهاء ولم يقل " صلى الله عليه وسلم " فليصل الرحم ليؤكد " صلى الله عليه وسلم " على أن الرحم متعلق بكل شخص منا ويجب عليه صلته ..
من لغويات الحديث"أيضاً :: أن الفعل ( سره) فقد جاء ماضياً دالاً على رسوخ هذه الرغبة في نفس كل إنسان،  ــ  والفعلان ( يبسط ) و( ينسأ ) مبنيان للمجهول، وكأن ثمة تعظيماً للأجر الجزيل يهبه الله للعبد الواصل رحمه  ـــ  أما الفعل ( فليصل ) فقد جاء مبنياً للمعلوم مقترناً بلام الأمر ليدل بذلك كله على أهمية صلة الرحم وحتمية القيام بحقها  ــ  وجاء شبه الجمله ( له ) دالاً على القصر، فهذا الأجر الكبير الذي يخص به الله عباده الواصلين أرحامهم مقصور عليهم لن يناله غيرهم، وهو ما يجعل السامعين يحرصون حرصاً أن يكونوا ضمن هؤلاء الفائزين بالأجر العظيم .
والآن تعالوا بنا نبدأ فى عرض الأراء وتأويل العلماء للآية والحديث :
الرأى الأول : القائل بأن الأجل يتغير وأن الزيادة فى العمر  حقيقية :
 1ـ وروى أن عمر بن الخطاب :  رضي الله عنه أنه كان يدعو  وهو يطوف بالبيت وهو يبكي  (( اللهم إن كنت كتبت علي شقاوة أو ذنباً فامحه فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة )) ...من طريق أبي حكيمة عصمة عن أبي عثمان النهدي.
وروى أيضاً أن ابن مسعود رضي الله عنه : كان يدعو بهذا الدعاء .
3 ـ وقال الأعمش : عن أبي وائل شقيق بن سلمة أنه كان كثيراً ما يدعو بهذا الدعاء : ( اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه واكتبنا سعداء وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب ) رواه ابن جرير .
تفســـيرالإمام النووى : فى الآيه
ــ حدثني المثنى حدثنا حجاج حدثنا خصاف عن أبي حمزة عن إبراهيم أن كعبا قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة قال وما هي ؟ قال قول الله تعالى " يمحو الله ما يشاء " الآية ومعنى هذه الأقوال أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ويثبت منها ما يشاء وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان هو الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال : قال رسول الله " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر " ورواه النسائي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري به وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر وفي حديث آخر" إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض"
رأى الإمام  الطبرى  فى التفسير :
(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) قال أبو جعفر  : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : يمحو الله ما يشاء من أمور عباده ، فيغيره ، إلا الشقاء والسعادة ، فإنهما لا يغيران . وعن ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب  ) ، قال : يدبر الله أمر العباد فيمحو ما يشاء ، إلا الشقاء والسعادة [ والحياة ] والموت . وعن مجاهد في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت  ) ، قال : إلا الحياة والموت والسعادة والشقاوة فإنهما لا يتغيران . وعن ابن عباس قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب  ) ، يقول : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله ، فيموت على ضلاله ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله ، وقد كان سبق له خير ، حتى يموت وهو في طاعة الله ، فهو الذي يثبت .حدثنا الكلبي قال : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت  ) ، قال : يمحي من الرزق ويزيد فيه ، ويمحي من الأجل ويزيد فيه . قلت : من حدثك! قال : أبو صالح ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه [ ص: 485 ] وسلم . فقدم الكلبي بعد ، فسئل عن هذه الآية : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت  ) ، قال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عليه عقاب ، مثل قولك : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ذلك ونحوه من الكلام ، وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب . وقال الحسن في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب  ) ، يقول : يمحو من جاء أجله فذهب ، والمثبت الذي هو حي يجري إلى أجله ....
قال أبو جعفر  : وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية وأشبهها بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد ، وذلك أن الله تعالى ذكره توعد المشركين الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات بالعقوبة ، وتهددهم بها ، وقال لهم : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب  ) ، يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مثبتا في كتاب ، هم مؤخرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل . ثم قال لهم : فإذا جاء ذلك الأجل ، يجيء الله بما شاء ممن قد دنا أجله وانقطع رزقه ، أو حان هلاكه أو اتضاعه من رفعة أو هلاك مال ، فيقضي ذلك في خلقه ، فذلك محوه ، ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله ، فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه . وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك ما : - وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك ما : - عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت . ثم ذكر ما في الساعتين الأخريين  ... عن ابن عباس قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت ، والدفتان لوحان لله ، كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة ، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
                                                    (2) تفسير القرآن  الطبرى ...تفسير سورة الرعد )
  رأى الإمام المفسر ابن كثير : قال ابن كثير رحمه الله:" وقد يستدل بهذه الآية من يقول أن الطاعة والبر وصلة الرحم يزاد بها في العمر حقيقة، كما ورد به الحديث " صلة الرحم تزيد العمر".
وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : ( لكل أجل كتاب  ) أي : لكل كتاب أجل يعني لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين ، فلهذا يمحو ما يشاء منها ويثبت ، يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ... وقال الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة  : إنه كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء : اللهم ، إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ، واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب  . رواه ابن جرير .. ومعنى هذه الأقوال : أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ، ويثبت منها ما يشاء ، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد  ... حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، وهو الثوري ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الله بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :  " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر "  . ورواه النسائي وابن ماجه ، من حديث سفيان الثوري ، به ... وقال الكلبي  : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت  ) قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه  . فقيل له : من حدثك بهذا ؟ فقال : أبو صالح ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم  - ثم سئل بعد ذلك عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت وشربت ، دخلت وخرجت ونحوه من الكلام ، وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب ، وعليه العقاب . وقال الحسن البصري  : ( يمحو الله ما يشاء  ) قال : من جاء أجله ، فذهب ، ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجل..
(3) تفسير القرأن العظيم : بن كثير :سورة الرعد : الجزء الثانى )
رأى الإمام المفسر : القرطبى :
وقال ابن عمر  : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا السعادة والشقاوة والموت  . وقال ابن عباس  : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا أشياء ; الخلق والخلق والأجل والرزق والسعادة والشقاوة ; وعنه : هما كتابان سوى أم الكتاب ، يمحو الله منهما ما يشاء ويثبت . وعنده أم الكتاب الذي لا يتغير منه شيء . قال القشيري  : وقيل السعادة والشقاوة والخلق والخلق والرزق لا تتغير ; فالآية فيما عدا هذه الأشياء ; وفي هذا القول نوع تحكم . قلت : مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد ، وإنما يؤخذ : توقيفا ، فإن صح فالقول به يجب ويوقف عنده ، وإلا فتكون الآية عامة في جميع الأشياء ، وهو الأظهر والله أعلم ; وهذا يروى معناه عن عمر بن الخطاب  - رضي الله عنه - وابن مسعود وأبي وائل وكعب الأحبار وغيرهم ، وهو قول الكلبي  . وعن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب  - رضي الله عنه - كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ; فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب  . وقال ابن مسعود  : اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم ، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء ; فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ; وعندك أم الكتاب . وكان أبو وائل يكثر أن يدعو : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامح واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب  . وقال كعب لعمر بن الخطاب  : لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب  . وقال مالك بن دينار في المرأة التي دعا لها : اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاما فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب  .
عن أبي هريرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه  . ومثله عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ص: 289 ] من أحب فذكره بلفظه سواء ; وفيه تأويلان : أحدهما : معنوي ، وهو ما يبقى بعده من الثناء الجميل والذكر الحسن ، والأجر المتكرر ، فكأنه لم يمت . والآخر : يؤخر أجله المكتوب في اللوح المحفوظ ; والذي في علم الله ثابت لا تبدل له ، كما قال : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . وقيل لابن عباس لما روى الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أحب أن يمد الله في عمره وأجله ويبسط له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه كيف يزاد في العمر والأجل ؟ ! فقال : قال الله - عز وجل - : هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده  . فالأجل الأول أجل العبد من حين ولادته إلى حين موته ، والأجل الثاني : يعني المسمى عنده - من حين وفاته إلى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلا الله ; فإذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه زاده الله في أجل عمره الأول من أجل البرزخ ما شاء ، وإذا عصى وقطع رحمه نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء ، فيزيده في أجل البرزخ ، فإذا تحتم الأجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان ; لقوله تعالى : فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فتوافق الخبر والآية ; وهذه زيادة في نفس العمر وذات الأجل على ظاهر اللفظ ، في اختيار حبر الأمة.. وروى أبو الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله سبحانه يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء  . والعقيدة أنه لا تبديل لقضاء الله  ; وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء ، وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعا محتوما ، وهو الثابت ; ومنه ما يكون مصروفا [ ص: 291 ] بأسباب ، وهو الممحو ، والله أعلم . وقال الغزنوي  : وعندي أن ما في اللوح خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة ; فيحتمل التبديل ; لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال ; وما في علمه من تقدير الأشياء لا يبدل . وعنده أم الكتاب أي أصل ما كتب من الآجال وغيرها . وقيل : أم الكتاب اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير . وقد قيل : إنه يجري فيه التبديل . وقيل : إنما يجري في الجرائد الأخر . وسئل ابن عباس عن أم الكتاب فقال : علم الله ما هو خالق ، وما خلقه عاملون ; فقال لعلمه : كن كتابا ، ولا تبديل في علم الله ،
(4) تفسير القرطبي [ الجامع لأحكام القرآن ] الجزء الخامس : تفسير سورة الرعد )
رأى الإمام المفسر  البغوى :
ـ وفي بعض الآثار : أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فترد إلى ثلاثة أيام ، والرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيمد إلى ثلاثين سنة . وقيل : معنى الآية : إن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم ، فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قوله : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ونحوها من كلام هو صادق فيه ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، هذا قول الضحاك والكلبي  . وعن سعيد بن جبير قال : ( يمحو الله ما يشاء ) من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها  .
                                                    (5) تفسير البغوي ـ الحسين البغوى ـ تفسير سورة الرعد )
رأى المفسر : محمد الطاهر ابن عاشور :
وجملة يمحو الله ما يشاء مستأنفة استئنافا بيانيا ; لأن جملة لكل أجل كتاب تقتضي أن الوعيد كائن وليس تأخيره مزيلا له . ولما كان في ذلك تأييس للناس عقب بالإعلام بأن التوبة مقبولة وبإحلال الرجاء محل اليأس ، فجاءت جملة يمحو الله ما يشاء ويثبت احتراسا . وحقيقة المحو : إزالة شيء ، وكثر في إزالة الخط أو الصورة ، ومرجع ذلك إلى عدم المشاهدة ، قال تعالى فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار [ ص: 165 ] مبصرة ، ويطلق مجازا على تغيير الأحوال وتبديل المعاني كالأخبار والتكاليف والوعد والوعيد فإن لها نسبا ومفاهيم إذا صادفت ما في الواقع كانت مطابقتها إثباتا لها وإذا لم تطابقه كان عدم مطابقتها محوا لأنه إزالة لمدلولاتها.. والتثبيت : حقيقته جعل الشيء ثابتا قارا في مكان ، قال تعالى إذا لقيتم فئة فاثبتوا ، ويطلق مجازا على أضداد معاني المحو المذكورة . فيندرج في ما تحتمله الآية عدة معان : منها أنه يعدم ما يشاء من الموجودات ويبقي ما يشاء منها ، ويعفو عما يشاء من الوعيد ويقرر ، وينسخ ما يشاء من التكاليف ويبقي ما يشاء .... وكل ذلك مظاهر لتصرف حكمته وعلمه وقدرته . وإذ قد كانت تعلقات القدرة الإلهية جارية على وفق علم الله تعالى كان ما في علمه لا يتغير فإنه إذا أوجد شيئا كان عالما أنه سيوجده ، وإذا أزال شيئا كان عالما أنه سيزيله وعالما بوقت ذلك .
 وأبهم الممحو والمثبت بقوله ما يشاء لتتوجه الأفهام إلى تعرف ذلك والتدبر فيه ; لأن تحت هذا الموصول صورا لا تحصى ، وأسباب المشيئة لا تحصى .  ومن مشيئة الله تعالى محو الوعيد ، أن يلهم المذنبين التوبة والإقلاع ويخلق في قلوبهم داعية الامتثال . ومن مشيئة التثبيت أن يصرف قلوب قوم عن النظر في تدارك أمورهم ، وكذلك القول في العكس من تثبيت الخير ومحوه .
 ومن آثار المحو تغير إجراء الأحكام على الأشخاص ، فبينما ترى المحارب مبحوثا عنه مطلوبا للأخذ ، فإذا جاء تائبا قبل القدرة عليه قبل رجوعه ورفع عنه ذلك الطلب ، وكذلك إجراء الأحكام على أهل الحرب إذا آمنوا ودخلوا تحت أحكام الإسلام . وكذلك الشأن في ظهور آثار رضى الله أو غضبه على العبد فبينما ترى [ ص: 166 ] أحدا مغضوبا عليه مضروبا عليه المذلة لانغماسه في المعاصي إذا بك تراه قد أقلع وتاب فأعزه الله ونصره . ومن آثار ذلك أيضا تقليب القلوب بأن يجعل الله البغضاء محبة ، كما قالت هند بنت عتبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أسلمت : ما كان أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك واليوم أصبحت وما أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك  . وقد محا الله وعيد من بقي من أهل مكة فرفع عنهم السيف يوم فتح مكة قبل أن يأتوا مسلمين ، ولو شاء لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باستئصالهم حين دخوله مكة فاتحا .  وبهذا يتحصل أن لفظ ( ما يشاء ) عام يشمل كل ما يشاؤه الله تعالى ولكنه مجمل في مشيئة الله بالمحو والإثبات ، وذلك لا تصل الأدلة العقلية إلى بيانه ، ولم يرد في الأخبار المأثورة ما يبينه إلا القليل على تفاوت في صحة أسانيده . ومن الصحيح فيما ورد من ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها  .  والذي يلوح في معنى الآية أن ما في أم الكتاب لا يقبل محوا ، فهو ثابت وهو قسيم لما يشاء الله محوه .  ويجوز أن يكون ما في أم الكتاب هو عين ما يشاء الله محوه أو إثباته سواء كان تعيينا بالأشخاص أو بالذوات أو بالأنواع ، وسواء كانت الأنواع من الذوات أو من الأفعال ، وأن جملة وعنده أم الكتاب أفادت أن ذلك لا يطلع عليه أحد . [ ص: 167 ] ويجوز أن يكون قوله وعنده أم الكتاب مرادا به الكتاب الذي كتبت به الآجال وهو قوله لكل أجل كتاب ، وأن المحو في غير الآجال .  ويجوز أن يكون أم الكتاب مرادا به علم الله تعالى . أي : يمحو ويثبت وهو عالم بأن الشيء سيمحى أو يثبت . وفي تفسير القرطبي عن ابن عمر قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا السعادة والشقاوة والموت ، وروي مثله عن مجاهد  . وروي عن ابن عباس يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا أشياء ؛ الخلق بفتح الخاء وسكون اللام ، والخلق بضم الخاء واللام ، والأجل والرزق والسعادة والشقاوة ، وعنده أم الكتاب الذي لا يتغير منه شيء . قلت : وقد تفرع على هذا قول الأشعري  : إن السعادة والشقاوة لا يتبدلان خلافا للماتريدي  .
 وعن عمر وابن مسعود ما يقتضي أن السعادة والشقاوة يقبلان المحو والإثبات . فإذا حمل المحو على ما يجمع معاني الإزالة ، وحمل الإثبات على ما يجمع معاني الإبقاء ، وإذا حمل معنى ( أم الكتاب ) على معنى ما لا يقبل إزالة ما قرر أنه حاصل أو أنه موعود به ولا يقبل إثبات ما قرر انتفاؤه ، سواء في ذلك الأخبار والأحكام ، كان ما في أم الكتاب قسيما لما يمحى ويثبت .  وإذا حمل على أن ما يقبل المحو والإثبات معلوم لا يتغير علم الله به كان ما في أم الكتاب تنبيها على أن التغيرات التي تطرأ على الأحكام أو على الأخبار ما هي إلا تغيرات مقررة من قبل وإنما كان الإخبار عن إيجادها أو عن إعدامها مظهرا لما اقتضته الحكمة الإلهية في وقت ما . و أم الكتاب لا محالة شيء مضاف إلى الكتاب الذي ذكر في قوله لكل أجل كتاب  . فإن طريقة إعادة النكرة بحرف التعريف أن تكون [ ص: 168 ] المعادة عين الأولى بأن يجعل التعريف تعريف العهد ، أي : وعنده أم ذلك الكتاب ، وهو كتاب الأجل . فكلمة ( أم ) مستعملة مجازا فيما يشبه الأم في كونها أصلا لما تضاف إليه ( أم ) ; لأن الأم يتولد منها المولود فكثر إطلاق أم الشيء على أصله ، فالأم هنا مراد به ما هو أصل للمحو والإثبات اللذين هما من مظاهر قوله لكل أجل كتاب  . أي : لما محو وإثبات المشيئات مظاهر له وصادرة عنه ، فأم الكتاب هو علم الله تعالى بما سيريد محوه وما سيريد إثباته كما تقدم .  والعندية عندية الاستئثار بالعلم وما يتصرف عنه ، أي : وفي ملكه وعلمه أم الكتاب لا يطلع عليها أحد . ولكن الناس يرون مظاهرها دون اطلاع على مدى ثبات تلك المظاهر وزوالها ، أي : أن الله المتصرف بتعيين الآجال والمواقيت فجعل لكل أجل حدا معينا ، فيكون أصل الكتاب على هذا التفسير بمعنى كله وقاعدته . ويحتمل أن يكون التعريف في الكتاب الذي أضيف إليه ( أم ) أصل ما يكتب ، أي : يقدر في علم الله من الحوادث فهو الذي لا يغير ، أي : يمحو ما يشاء ويثبت في الأخبار من وعد ووعيد ، وفي الآثار من ثواب وعقاب ، وعنده ثابت التقادير كلها غير متغيرة .  والعندية على هذا عندية الاختصاص ، أي العلم ، فالمعنى : أنه يمحو ما يشاء ويثبت فيما يبلغ إلى الناس وهو يعلم ما ستكون عليه الأشياء وما تستقر عليه ، فالله يأمر الناس بالإيمان وهو يعلم من سيؤمن منهم ومن لا يؤمن فلا يفجؤه حادث . ويشمل ذلك نسخ الأحكام التكليفية فهو يشرعها لمصالح ثم ينسخها لزوال أسباب شرعها وهو في حال شرعها يعلم أنها آيلة إلى أن تنسخ .
(6 ) تفسير التحرير والتنويرـ محمد عاشور ـ تفسير سورة الرعد )
10ـ رأى الإمام المفسر : محمد بن علي بن محمد الشوكاني  :
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت الرجل يعمل بمعصية الله وقد سبق له خير حتى يموت على طاعة الله .  وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضا في الآية قال : هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت ، وعنده أم الكتاب ، أي : جملة الكتاب .  وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال " إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء له دفتان من ياقوت ، والدفتان لوحان لله كل يوم ثلاث وستون لحظة يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب  "  .  وإسناده عند ابن جرير  : هكذا حدثنا محمد بن شهر بن عسكر حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فذكره .  وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله ينزل في ثلاث ساعات يبقين من الليل فيفتح الذكر في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو الله ما يشاء ويثبت الحديث . 
(7) ( تفسير فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية للشوكانى ـ تفسير سورة الرعد )
11ـ ال الطحاوي رحمه الله :
 
يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا وإن لم تبر كذا ، لما هو دون ذلك ، وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا ، وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا ، وإن عملت كذا حرمت كذا ، وإن لم تعمله رزقت كذا ، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه " انتهى
(8) .بيان مشكل الآثار" (7 / 202)
12ـ وقال الحليمي رحمه الله في معناه : " أن من الناس من قضى الله عز وجل بأنه إذا وصل رحمه عاش عددا من السنين مبينا ، وإن قطع رحمه عاش عددا دون ذلك ، فحمل الزيادة في العمر على هذا " انتهى .
(9) . شعب الإيمان" (6 / 219)

من أقوال العلماء المعاصرين :
13ـ قال الشيخ الألباني رحمه الله :
"
فالحديث على ظاهره ، أي أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سببا شرعيا لطول العمر وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة ، ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به لأن هذا بالنظر للخاتمة تماما كالسعادة والشقاوة فهما مقطوعتان بالنسبة للأفراد فشقي أو سعيد ، فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان بالأسباب شرعا كما قال صلى الله عليه وسلم:"  اعملوا فكل ميسر لما خلق له فمن كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة "
ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } الليل5/10 ]
فكما أن الايمان يزيد وينقص وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية وأن ذلك لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى الأسباب فهو لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ أيضا
فتأمل هذا فإنه مهم جدا في حل مشاكل كثيرة ولهذا جاء في الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة
الدعاء بطول العمر" ا.هـ صحيح الأدب المفرد ....
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
 
الْأَجَلُ أَجَلَانِ " أَجَلٌ مُطْلَقٌ " يَعْلَمُهُ اللَّهُ " وَأَجَلٌ مُقَيَّدٌ " وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمَلَكَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ أَجَلًا وَقَالَ : " إنْ وَصَلَ رَحِمَهُ زِدْتُهُ كَذَا وَكَذَا " وَالْمَلَكُ لَا يَعْلَمُ أَيَزْدَادُ أَمْ لَا ؛ لَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ " انتهى .
)                                                                                                               10) مجموع الفتاوى" (8 / 517)
14ـ وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
وذلك : أن الله يجازي العبد من جنس عمله . فمن وصل رحمه وصل الله أجله ورزقه ، وصلاً حقيقياً ، وضده : من قطع رحمه ، قطعه الله في أجله وفي رزقه " انتهى
)11) فتاوى الشيخ ابن جبرين" (54 / 13)
15ـ رأى الشيخ مصطى العدوى :: المرجع تفسير سورة نوح :
الخلاف  فى زيادة العمر بأعمال البر :::قوله تعالى: (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) يرد عند هذه الآية مسألة وهي: هل عبادة الله تعالى وتقواه سبب في طول العمر؟ وهل يزيد العمر عن الحد الذي حده الله سبحانه وتعالى بشيء من الأسباب؟ إن مسألة الزيادة في العمر قد ورد فيها نصوص مختلفة، فقد وردت نصوص تفيد أن العمر قد يطول ببعض الأعمال، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه -أي: يوسع له في رزقه- وينسأ له في أثره -أي: يؤخر له في عمره- فليصل رحمه)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمران الديار ويزيدان في الأعمار). ووردت أدلة أخرى في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرها يفيد معنىً آخر، فقد قال الله سبحانه: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38]، وقال الله سبحانه: إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس:49]، وفي الصحيح أن أم المؤمنين أم حبيبة  رضي الله تعالى عنها قالت: (اللهم أمتعني بزوجي رسول الله، وبأبي أبى سفيان، وبأخي معاوية فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد سألتِ الله آجالاً مضروبة، وأرزاقاً مقسومة، لن يقدم شيء منها ولن يؤخر)، أو بنحوه. وفي حديث التخلق قال صلى الله عليه وسلم: (ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد). فاختلف العلماء في الجمع بين هذه النصوص على أقوال: القول الأول: أن لكل أجل كتاباً، ولكل شخص عمراً قدر له، ولكن إذا عمل الشخص الأعمال الواردة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم زيد له في عمره، فالجمع بين النصوص أن معنى قوله تعالى: إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ [يونس:49] أي: إذا جاء أجلهم الذي قدر لهم لو لم يصلوا الرحم، فإذا وصلوها زيد في أعمارهم؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم. وأشار إلى هذا المعنى الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى، ولم يطل في هذا المقام. فهذا قول مبنيٌ على ظاهر الأدلة، وهو أن الشخص له عمر مكتوب، لكن إذا وصل الرحم زيد له في عمره. القول الثاني: أن المراد بطول العمر هو البركة في العمر، فيذكر بخير بعد مماته. القول الثالث: أن الأجل أجلان: أجل أعلمه الله تعالى لملائكته أن إذا عمل عبدي كذا وكذا فاكتبوا له من العمر كذا وكذا، وإذا عمل كذا وكذا فاكتبوا له من العمر كذا وكذا، والله تعالى يعلم بالذي سيختاره العبد، وأثبت في اللوح المحفوظ ما سيختاره العبد، وهذا المثبت في اللوح المحفوظ هو الأجل الذي عند الله تعالى في أم الكتاب، والمحو والإثبات يكون في الكتاب الذي بين أيدي الملائكة. ومن هذا ما ورد في شأن موسى عليه السلام حين جاءه ملك الموت فلطمه ففقأ عينه -كما في صحيح البخاري رحمه الله- فرجع إلى الله تعالى، ثم بعد ذلك قبض روح موسى صلى الله عليه وسلم. فالله يعلم بالذي دار كله، وأثبت عنده منتهى الأمر الذي سيصدر من موسى، والوقت الذي ستقبض فيه روح موسى، فأثبت هذا في أم الكتاب، وأما الذي تغير فهو الذي بيد الملك. وإلى هذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض اختياراته، وثم أقوال أُخر. وهذه المسألة وصفها العلماء بأنها من المسائل الشائكة التي ينبغي أن تجرى على ظاهرها كسائر الأمور مثلها؛ فهي كمسألة الرزق، إذ الأجل والرزق مكتوبان، فمكتوب لك وأنت في بطن أمك كم سترزق، فإذا سعيت والتمست الأسباب الصحيحة لطلب الرزق في الظاهر فإنك سترزق، وإذا نمت وتركت العمل، فلن يأتيك رزق ذلك اليوم، فإن آمنت بأن الرزق مقدر ومع ذلك تسعى في الأخذ بالأسباب، فكذلك تؤمن بأن الأجل مكتوب، وعليك أن تسعى بما يزيد في أجلك كما تسعى بما يزيد في رزقك. فالإيمان قائم أن الأجل مقدر، وعلمه عند الله تعالى، مع التدين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في عمره فليصل رحمه)، فعليك أن تصل الرحم، كما أن عليك أن تخرج لطلب الرزق، ومع ذلك تترك الباقي إلى المولى سبحانه وتعالى، كسائر المسائل المتعلقة بالقدر. والله أعلم. ومن العلماء من قال: إن قوله تعالى: ((يؤخركم إلى أجل مسمى)) المراد بها: يدفع عنكم العذاب فلا تعذبون في الحياة الدنيا، وهذا كالأول، فإن العذاب مقدر، فإن أطعت الله رفع عنك العذاب، كما إذا وُصِلَتِ الرحمُ طالت الأعمار.  
(12) تفسير سورة توح )
16ــ رأى الشيخ الفوزان :
الحديث الذي سألت عنه حديث صحيح، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى وعد من يصل رحمه أن يثيبه وأن يجزيه بأن يطيل في عمره، وأن يوسع له في رزقه جزاءً له على إحسانه، وهذا من فضله سبحانه وتعالى أنه يجازي المحسن بإحسانه‏:‏ ‏{‏هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ‏}‏ ‏[‏سورة الرحمن‏:‏ آية 60‏‏‏]‏‏.‏ ولا تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الذي فيه أن كل إنسان قد قدر أجله ورزقه وهو في بطن أمه، لأن هناك أسبابًا جعلها الله أسبابًا لطول العمر وأسبابًا للرزق، فهذا الحديث يدل على أن الإحسان وصلة الرحم سبب لطول الأجل وسبب لسعة الرزق، والله جل وعلا هو مقدر المقادير ومسبب الأسباب، هناك أشياء قدرها الله سبحانه وتعالى على أسباب ربطها بها ورتبها عليها إذا حصلت مستوفية لشروطها خالية من موانعها ترتبت عليها مسبباتها قضاءً وقدرًا وجزاءً من الله سبحانه وتعالى، فلا تعارض – والحمد لله – بين هذين الحديثين، وهكذا كل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعارض ولا ينقض بعضه بعضًا
 (13) فتوى الشيخ الفوزان ‏.‏www.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?hflag=1&bk
17ـ وقال الإمام : الطحاوى :
في أنواع التقدير. ذكرنا لك أنَّ التقدير أربعة مراتب ومنها مرتبة الكتابة.
ومرتبة الكتابة جاء في الحديث أنها التقدير كما في قوله صلى الله عليه وسلم «قدّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء»(1) يعني كَتَبْ، ولهذا نقول مراتب التقدير يعني مراتب الكتابة.
فالله - عز وجل - جعل كتابته للأشياء لها خمس أحوال:
 الكتابة الأولى: وهي أوَّلُهَا وأقدمها وأعظمها كِتَابَةُ الله - عز وجل -  مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة في اللوح المحفوظ، وهذه هي الكتابة التي كانت قبل الخلق، وهذه الكتابة لا تتبدل ولا تتغير، رُفعت الأقلام وجفَّتْ الصحف.
فيجد العبد ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ من خير أو شر.
وهذه مر معنا جُمَلْ الأدلة عليها وبعض التفصيل لها.
2ـ الكتابة الثانية: كِتَابَةٌ لمقادير الخلق من حيث الشّقاوة والسعادة، ونعني بالخلق خاصةَ المكلفين.
وهذه التي تأتي فيها أحاديث الميثاق وأنَّ الله - عز وجل - استخرج ذرية آدم من صلبه فنثرهم أمامه كهيئة الذَّر وأخذ عليه أن لا يشركوا به شيئاً سبحانه وتعالى، وقَبَضَ قبضة إلى الجنة وقبضة إلى النار وكتب أهل الجنة وكتب أهل النار، ونحو ذلك مما جاء في السّنة من بيان ذلك. هذا تقديرٌ بَعْدَ الأول، وهو قبل أن يُخْلَقَ جِنْسُ المكلفين أي من الإنسان.
لمَّا خلق الله - عز وجل - آدم حصل ذلك، حصل هذا التقدير العام لهم.
الكتابة الثالثة: وهي التقدير العمري، والعُمري هو الذي يكون والإنسان في بطن أمه فإنَّ النطفة إذا صارت في الرحم وبلغت ثنتين وأربعين ليلة أتاها ملك، فأمره الله - عز وجل - بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد.
وهذه أيضا جاءت في حديث ابن مسعود المشهور الذي فيه (أنَّ الملك يأتي بعد أربعين وأربعين وأربعين؛ يعني بعد عشرين ومائة، فيأتي فيكتب رزق الإنسان وأجله وعمله وشقي أو سعيد، يؤمر بِكَتْبِ هذه الكلمات الأربع).(2)
هذه الكتابة العُمرية هي تفصيلٌ لما في اللوح المحفوظ، لأنَّ الذي في اللوح المحفوظ شامل لكل المخلوقات، وهذا مُتعلِقٌ بهذا المخلوق المعين وحده.
لهذا قال العلماء: إنَّ هذه تفصيل، فذاكَ فيه الجميع، وهذا للإنسان المعين بخصوصه، قالوا تفصيل ولك أن تقول تخصيص.
4ـ الكتابة الرابعة: الكتابة السنوية، والكتابة السنوية هي التي تكون في ليلة القدر قال - عز وجل - {حم(1) وَالكِتَابِ المُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ(3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان:1-4].
وهذه تُكْتَبْ فيها المقادير في تلك السَّنَةْ.     من السَّنَةْ إلى السَّنَةْ.            وما  معنى ذلك؟
معناها أنَّ الله - عز وجل - يوحي إلى ملائكته بأن يكتبوا أشياء مما في اللوح المحفوظ فتكون بأيديهم مما سيحصل للناس.
5ـالكتابة الخامسة: هي التقدير الأخير وهي التقدير اليومي.
واستدل له أهل العلم بقوله سبحانه {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29].
إذا تَبَيَّنَتْ هذه المراتب فإنه قد ثبت في السنة أنَّ الله - عز وجل - يزيد في العُمُر، ينْسَأُ في الأَثَرْ، يبسط في الرزق، فقال صلى الله عليه وسلم «من سرّه أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه»(3) يعني الرزق صار يتغير والأثر العمر صار يتغير، وقال أيضاً في الحديث الآخر «إنّ العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه»(4) فمعناه فيه حرمان لبعض الرزق.
وهذا معنى قول الله - عز وجل - في آية سورة الرعد {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد:39].
فنظر أهل العلم في ذلك فقالوا:
إنَّ المراتب الثلاث الأُوَلْ هذه لا تتغير ولا تتبدل؛ يعني:  الأول السابق القديم الذي في اللوح المحفوظ. وهؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار. وكذلك كتب الملك الكلمات الأربع.
لهذا جاء في آخر الحديث مُؤَكِّدَاً صلى الله عليه وسلم على أنها لا تتغير «وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»(5)، الثلاث الأُوَلْ هذه ما تتغير.
إيش الذي يَتَغَيَّرْ ويتبدل ويحدث فيه المَحْوُ والإثبات والزيادة إلى آخِرِهْ ويؤثر فيه الدعاء وتؤثر فيه الأعمال الصالحة؟
هذا التقدير السنوي.
والتقدير السنوي في الحقيقة هو من التقدير الأوّل.
هو مِنَ اللوح المحفوظ؛ لكنه في اللوح المحفوظ وُجِدَ مُعَلَّقَاً فصار بأيدي الملائكة مُعَلَّقَاً.

وأما التقدير العمري فهو ما فيه النهاية؛ يعني ما كَتَبَهُ الله - عز وجل - بما فيه نهاية العبد وما فيه نتيجة أثر الدعاء وأثر الأعمال إلى آخره مما قد يكون مُتَغَيِّراً.
إذاً فقوله - عز وجل - {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} يعني مما في أيدي الملائكة من الصحف {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} وكذلك من التقدير اليومي.
إذا كان كذلك فهذا به تَفْهَمُ الأحاديث التي فيها تغيير الرزق وتغيير العمر والنَّسْءْ في الأثر أو حرمان الرزق بالذنب ونحو ذلك، ومنه أيضا تفهم قول عمر رضي الله عنه فيما جاء عنه (اللهم إن كنت كتبتني شقيا فاكتبني سعيدا؛ يعني بما يتعلق بتلك السنة من الإضلال والهداية)(1)
وأسأل الله سبحانه أن ينور قلبي وقلوبكم بعلم سلفنا الصالح، وأن يزيدنا من العلم النافع وأن يوفقنا لحسن الظن به - عز وجل - وحسن التوكل عليه وعِظَمْ العلم به وحسن العمل إنه سبحانه جواد كريم سميع قريب.
وصلى الله وسلم بارك على نبينا محمد.
__________
ـ أما أثر سيدن عمر بن الخطاب :فلم أجد هذا الأثر عن عمر وقد ورد عن ابن مسعود أنَّه قال (اللهم إن كنت كتبتني في أهل الشقاء فامحني واثبتني في أهل السعادة) المعجم الكبير (8847)
14ـ  رأى الإمام الطحاوى (  http://sh.rewayat2.com/akida/Web/627/001.htm

18ـ رأى الشيخ المفتى : محمد حسن ولد اللددو : إن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه يمحو ما يشاء مما كتبه معلقاً بالشروط وانتفاء الموانع، ويثبت ما يشاء من ذلك، {وعنده أم الكتاب} وهي الصحف التي عند الله فوق عرشه كتَبَ فيها ما هو كائن، فتلك الصحف ليس فيها تعليق .
بالشروط لا بانتفاء الموانع ....وأما اللوح المحفوظ فيكتب فيه الأمر مشروطاً بالشروط وبانتفاء الموانع، ولذلك فالملائكة إنما يعرفون ما كتب في اللوح المحفوظ أو ما تكلم الله به، فإذا تكلم الله بشيء من قدره اهتز له الملائكة فرعبوا له، فإذا سري عنه قالوا: {ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}، فيجيبهم جبريل عليه السلام بما أمر الله به من أمره، فذلك عندما يفزع عن صدورهم أي يزول عنهم الفزع: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} فيكتب الله تعالى في اللوح المحفوظ مقادير الأمور مشروطة بالشروط وانتفاء الموانع فيقال مثلاً: فلان بن فلان إذا وصل رحمه أو إذا تصدق بكذا زيد عمره بكذا، وإذا لم يفعل مات في الوقت الفلاني، فملك الموت لا يدري هل سيفعل ذلك أو لا يفعله لأن هذا من الغيب الحقيقي الذي اختص الله به، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} في خمسٍ لا يعلمهن إلا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فملك الموت إنما يطَّلعُ على ذلك مشروطاً بالشروط وانتفاء الموانع، ودليل هذا ما أخرجاه في الصحيحين أن ملك الموت أتى موسى عليه السلام عندما حان أجله فأراد قبض روحه فصكه على عينه ففقأ عينه أي عين تلك الصورة التي ظهر فيها، فرجع إلى ربه فقال: أي رب أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، فكلَّم الله موسى عليه السلام فعرض عليه أن يطول عمره أن يضع يده على صفحة ثور فله بكل شعرة سنة، فقال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت قال: أما إذا كان لا بد منه فالآن، فلذلك لم يكن ملك الموت يعلم أن عمر موسى قد تأخر قليلاً في تلك اللحظة، إنما كان يعلم أنه كتب أنه سيموت في تلك اللحظة إذا أدى شرطاً أو إذا انتفى مانع، فخفي عليه ذلك وقد علمه الله سبحانه وتعالى وهو في أم الكتاب عنده، فلذلك قال: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} أي من اللوح المحفوظ، { وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } وهي الصحف التي عنده فوق عرشه ليس فيها محو ولا تبديل، فكل ما فيها فهو على حاله.
                                                            (15)  فتوى الشيخ / حسن محمد  فى رد على سؤال بهذه المسألة   )
19ـ رأى الدكتور الشيخ / عبد الرحمن السحيم :
. وهذه الزيادة في العُمر حقيقية ، ولا إشكال فيها . كما أنه لا تَعارض بينها وبين كون الأعمار مُقدّرة مكتوبة . ولا تعارض بينها وبين قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) . فإن الله تبارك وتعالى أثبت زيادة الأعمار ونُقصها ، فال : ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ) . وأخبر سبحانه وتعالى أنه يَمحو ما يشاء ويُثبت ما يشاء ، فقال : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) .والزيادة والنقص إنما تكون بما في أيدي الملائكة من الصُّحُف ، أي الذي كَتَبه الملك ، حينما كَتَب عُمر ابن آدم ورزقه وعمله وشقي أو سعيد ، كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين .
فهذا الذي يحصل فيه المحو والإثبات . أما ما قُدِّر في اللوح المحفوظ فهو لا يُغيّر ولا يُبدّل ولا يُمحى منه شيء . ففي عِلم الله أن فلاناً من الناس يَصِل رَحمه ، ويكون عمره – مثلا – ستين سنة ، فإذا وصل رَحِمه بلّغه الله السبعين . والملك يَكتب عُمر هذا الإنسان ستين سنة ، وهو في عِلم الله وزيادة فضله سبعون . فلا يكون هناك تعارض بين الآيات ولا بين الأحاديث .
 قال الإمام الترمذي : روى حديث : صِلة الرحم محبة في الأهل ، مَثراة في المال ، مَنسأة في الأثر . قال : ومعنى قوله منسأة في الأثر : يعني زيادة في العمر . وقال الحليمي في معناه : أن من الناس من قضى الله عز وجل بأنه إذا وَصَل رحمه عاش عددا من السنين مُبيَّنا ، وإن قطع رحمه عاش عددا دون ذلك ، فحمل الزيادة في العمر على هذا ، وبسط الكلام فيه ، ولا يخفى عليه أي العددين يعيش . نقله البيهقي في شُعب الإيمان .وقال الإمام النووي في شرح الحديث :وأجاب العلماء بأجوبة ، الصحيح منها :  أن هذه الزيادة بالبركة في عمره ، والتوفيق للطاعات ، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة ، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك .والثاني : أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك ، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه ، فإن وصلها زِيد له أربعون ، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك ، وهو من معنى قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) ويُثْبِت فيه النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قَدَرُه ولا زيادة بل هي مستحيلة ، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة . اهـ .
( 16)أ /موقع الشيخ : http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/)
20ـ رأى الشيخ / محمد صالح المنجد : هام جدا
 المعنى : حُصُولُ الْقُوَّةِ فِي الْجَسَدِ . وقيل : بِالْبَرَكَةِ فِي عُمْره , وَالتَّوْفِيق لِلطَّاعَاتِ , وَعِمَارَة أَوْقَاته بِمَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة , وَصِيَانَتهَا عَنْ الضَّيَاع فِي غَيْر ذَلِكَ . وقيل : معناه : بَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَ الْمَوْتِ . وقيل : يُكْتَبُ عُمُرُه مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ كَأَنْ يُقَالَ : إِنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فَلَهُ كَذَا وَإِلَّا فَكَذَا ، فتَكُون الزّيَادَة فِي العُمرِ زيَادَة حَقِيقِيّة .راجع : "شرح النووي على مسلم" (16 / 114) – "فتح الباري" (4 / 302)
 وهذا القول الأخير هو الراجح ، فيكون معنى الحديث : من أحب أن يبسط له في رزقه فيكثر ويوسع عليه ويبارك له فيه ، أو أحب أن يؤخر له في عمره فيطول : فليصل رحمه .فتكون صلة الرحم سببا شرعيا لبسط الرزق وسعته ، وطول العمر وزيادته ، والتي لولاها لما كان هذا رزقه ، ولا كان هذا عمره – بتقدير الله تعالى وحكمته - .قال الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الأدب المفرد" (1 / 24) :" الحديث على ظاهره ، أي : أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول العمر وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة ، ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به ؛ لأن هذا بالنظر للخاتمة ، تماماً كالسعادة والشقاوة ، فهما مقطوعتان بالنسبة للأفراد فشقي أو سعيد ، فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان بالأسباب شرعاً . وكما أن الإيمان يزيد وينقص ، وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية ، وأن ذلك لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ ، فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى الأسباب فهو لا ينافي ما كتب في اللوح أيضاً " انتهى . قال الطحاوي رحمه الله :" يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا وإن لم تبر كذا ، لما هو دون ذلك ، وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا ، وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا ، وإن عملت كذا حرمت كذا ، وإن لم تعمله رزقت كذا ، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه " انتهى ."بيان مشكل الآثار" (7 / 202) .وقال الحليمي رحمه الله في معناه : " أن من الناس من قضى الله عز وجل بأنه إذا وصل رحمه عاش عددا من السنين مبينا ، وإن قطع رحمه عاش عددا دون ذلك ، فحمل الزيادة في العمر على هذا " انتهى . "شعب الإيمان" (6 / 219) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" الْأَجَلُ أَجَلَانِ " أَجَلٌ مُطْلَقٌ " يَعْلَمُهُ اللَّهُ " وَأَجَلٌ مُقَيَّدٌ " وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمَلَكَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ أَجَلًا وَقَالَ : " إنْ وَصَلَ رَحِمَهُ زِدْتُهُ كَذَا وَكَذَا " وَالْمَلَكُ لَا يَعْلَمُ أَيَزْدَادُ أَمْ لَا ؛ لَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ " انتهى ."مجموع الفتاوى" (8 / 517) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :" معناه : أن الله سبحانه وتعالى وعد من يصل رحمه أن يثيبه وأن يجزيه بأن يطيل في عمره ، وأن يوسع له في رزقه جزاءً له على إحسانه .ولا تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الذي فيه أن كل إنسان قد قدر أجله ورزقه وهو في بطن أمه ؛ لأن هناك أسبابًا جعلها الله أسبابًا لطول العمر وأسبابًا للرزق ، فهذا الحديث يدل على أن الإحسان وصلة الرحم سبب لطول الأجل وسبب لسعة الرزق ، والله جل وعلا هو مقدر المقادير ومسبب الأسباب ، هناك أشياء قدرها الله سبحانه وتعالى على أسباب ربطها بها ورتبها عليها إذا حصلت مستوفية لشروطها خالية من موانعها ترتبت عليها مسبباتها قضاءً وقدرًا وجزاءً من الله سبحانه وتعالى " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (98 / 1) .وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :" وذلك : أن الله يجازي العبد من جنس عمله ؛ فمن وصل رحمه وصل الله أجله ورزقه ، وصلاً حقيقياً ، وضده : من قطع رحمه ، قطعه الله في أجله وفي رزقه " انتهى ."فتاوى الشيخ ابن جبرين"
(17) فتوى الشيخ المنجد http://www.islamqa.com/ar/ref/145514) (54 / 13)
21ـ رأى الدكتور عبد العزيز عبد الله الراجحى :
الركون إلى القدر في تقدير الأجل ومخالفة الأحاديث التي تحث على صلة الرحم، على أنها سبب في بسط الرزق، وتأخير الأجل. جاء في تهذيب الدكتور عبارات تدل على الركون إلى القدر، في تقدير الأجل، والتهوين من شأن صلة الرحم التي جاءت الأحاديث بالحث عليها والدلالة على أنها سبب في بسط الرزق، وتأخير الأجل.
قال الدكتور في ص79 سطر 7 - 9: "فالله قدر العمر، وقدر سبب العمر تمامًا، كما قدر الرزق، وقدر سبب الرزق وهو السعي، فيجب أن لا يفهم من هذا، أن الأمر بيد الإنسان، إن أحب أن يطيل عمره، فإنه يصل رحمه فيطول عمره أكثر، مما قدر له " ا هـ. أقول: تعبير الدكتور: ( فيجب أن لا يفهم من هذا أن الأمر بيد الإنسان، إن أحب أن يطيل عمره، فإنه يصل رحمه ) مخالف للأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرها، التي فيها التعبير بمن أحب أن يبسط له في الرزق، وينسأ له في الأثر فليصل رحمه.
والواجب على المسلم، خصوصًا طالب العلم أن يتأدب مع الأحاديث النبوية، فلا يخالف ألفاظها، ففي صحيح البخاري كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق أخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه )ـــ وفي كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم ج7 ص 72، أخرج بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول( من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه ).وأخرج أيضًا بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه ).
ا هـ. ورواه البخاري أيضًا في الأدب المفرد ص 31 باب صلة الرحم يزيد في العمر، روى بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه وروى بسنده أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه ) ورواه أيضًا في باب "من وصل رحمه أحبه الله " بسنده عن ابن عمر - رضي الله عنه- قال: من اتقى ربه، ووصل رحمه، نسئ في أجله، وثري ماله، وأحبه أهله ومن طريق أخرى عن ابن عمر -رضي الله عنه-: من اتقى ربه ووصل رحمه، أنسئ له في عمره، وثري ماله، وأحبه أهله.ورواه مسلم أيضًا، باب صلة الرحم، وتحريم قطيعتها روى بسنده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه ) .ومن طريق أخرى عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه ) قال الحافظ في الفتح ج10 ص416:: قوله ( ينسأ ) بضم أوله وسكون النون، بعدها مهملة، ثم همزة، أي يؤخر، قوله ( في أثره ) أي: في أجله، وسمي الأجل أثرًا؛ لأنه يتبع العمر " ا هـ. وقال الحافظ في الفتح أيضًا ج10 ص415 - 416: ( وللترمذي وحسنه من وجه آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: ( من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه ).
 وعند أحمد بسند رجاله ثقات، عن عائشة -رضي الله عنه- مرفوعًا: ( من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه )وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والبزار وصححه الحاكم، من حديث علي -رضي الله عنه- نحو حديثي الباب، قال وتدفع عنه ميته السوء .انتهى كلام الحافظ في الفتح.
قلت: وبهذا يتبين أن التعبير بمن أحب البسط في الرزق، والتأخير في الأجل، فليصل رحمه، تعبير نبوي، لا يجوز نفيه ولا مخالفته، والله الموفق للصواب.

الرأى الثانى : يقول :  بأن الأجل لا يتغير وأن الزيادة المقصودة هى بركة :
قال الثوري ووكيع::
 وهشيم عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : يدبر أمر السنة فيمحو الله ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت وفي رواية " يمحو الله ما يشاء ويثبت " قال كل شيء إلا الموت والحياة والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما وقال مجاهد " يمحو الله ما يشاء ويثبت " إلا الحياة والموت والشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران. وعنه أيضاً : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " يقول يبدل ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله " وعنده أم الكتاب " وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ وما يبدل وما يثبت كل ذلك .
وعن ابن عباس أيضاً : الكتاب كتابان فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وقال العوفي عن ابن عباس في قوله " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " يقول هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو والذي يثبت الرجل يعمل بمعصية الله وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله وهو الذي يثبت وروي عن سعيد بن جبير أنها بمعنى " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير "
 ـ وعنْ  قَتَادَةَ  , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :  يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ سورة الرعد آية 39  , قَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ  : " هُوَ الْقُرْآنُ ، كَانَ اللَّهُ يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ، وَيُنْسِي نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ , وَيَنْسَخُ مَا شَاءَ ، وَهُوَ الْمُحْكَمُ ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " , قَالَ : " جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَأَصْلُه كتاب وقال قتادة في قوله " يمحو الله ما يشاء ويثبت " كقوله " ما ننسخ من آية أو ننسها "
2ـ  قال البيهقي : " أصح ما قيل في تفسيرها عن الناسخ والمنسوخ يمحو الله ما يشاء أن ينسخه من القرءان ويثبت ما شاء أن لا ينسخه وكل أي الناسخ والمنسوخ في اللوح المحفوظ". وأما بالنسبة للقدر المعلق فهو ما كتب في صحف الملائكة أن فلانا إذا وصل رحمه مثلا عاش ستين وإن لم يصل عاش أربعين. والله تعالى عالم إن كان سيصل رحمه أم لا. اوأما القدر المبرم فهو ما كتب من غير تعليق.
(19) مكتبة وشبكة المدينة المنورة 
http://madeena.org/vb/showthread.php?t=54625
 3ـ تأويل الحديث فى البخارى :
حدثنا ‏ ‏محمد بن أبي يعقوب الكرماني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حسان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يونس ‏ ‏قال ‏ ‏محمد هو الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏: سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من سره أن يبسط له في رزقه أو ‏ ‏ينسأ ‏ ‏له في أثره فليصل رحمه ‏.فتح الباري بشرح صحيح البخاري . وْله : ( وَيُنْسَأ) ‏
‏بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ ثُمَّ هَمْزَة أَيْ يُؤَخَّر لَهُ , وَالْأَثَر هُنَا بَقِيَّةُ الْعُمُرِ قَالَ زُهَيْرٌ : ‏ ‏وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ ‏ ‏لَا يَنْتَهِي الطَّرْفُ حَتَّى يَنْتَهِي الْأَثَرُ ‏ ‏وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَى الْبَسْطِ فِي الرِّزْق الْبَرَكَة فِيهِ , وَفِي الْعُمُر حُصُولُ الْقُوَّةِ فِي الْجَسَدِ , لِأَنَّ صِلَةَ أَقَارِبِهِ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ تُرَبِّي الْمَالَ وَتَزِيدُ فِيهِ فَيَنْمُو بِهَا وَيَزْكُو , لِأَنَّ رِزْق الْإِنْسَان يُكْتَبُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَلِذَلِكَ اُحْتِيجَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ , أَوْ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُكْتَبُ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ كَأَنْ يُقَالَ إِنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فَلَهُ كَذَا وَإِلَّا فَكَذَا , أَوْ الْمَعْنَى بَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَ الْمَوْتِ . وَأَغْرَبَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ : الْمُرَادُ بِذَلِكَ قِلَّةُ الْبَقَاءِ فِي الْبَرْزَخِ . وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَةَ : يَحْتَمِل أَنْ يَكْتُبَ أَجَلُ الْعَبْدِ مِائَةَ سَنَةٍ وَتَزْكِيَتُهُ عِشْرِينَ فَإِنْ وَصَلَ رَحِمَهُ زَادَ التَّزْكِيَةَ . وَقَالَ غَيْرُهُ : الْمَكْتُوبُ عِنْد الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ غَيْرُ الْمَعْلُومِ عِنْد اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَالْأَوَّلُ يَدْخُلُ فِيهِ التَّغْيِيرُ . وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى الظَّوَاهِرِ وَالْمَعْلُوم الْبَاطِن خَفِيٌّ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ , فَذَلِكَ الظَّاهِرُ الَّذِي اِطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُهُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ وَالْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ , وَالْحِكْمَةُ فِيهِ إِبْلَاغ ذَلِكَ إِلَى الْمُكَلَّفِ لِيَعْلَمَ فَضْلَ الْبِرِّ وَشُؤْمَ الْقَطِيعَةِ , وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِ الْقَدَرِ , وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى إِيثَارِ الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
(20) ( فتح البارى بشرح صحيح البخارى )
4ــ ( تفسير القرطبى) ـ  للحديث : عن أبي هريرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه  . ومثله عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ص: 289 ] من أحب فذكره بلفظه سواء ; وفيه تأويلان : أحدهما : معنوي ، وهو ما يبقى بعده من الثناء الجميل والذكر الحسن ، والأجر المتكرر ، فكأنه لم يمت . والآخر : يؤخر أجله المكتوب في اللوح المحفوظ ; والذي في علم الله ثابت لا تبدل له ، كما قال : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . وقيل لابن عباس لما روى الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أحب أن يمد الله في عمره وأجله ويبسط له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه كيف يزاد في العمر والأجل ؟ ! فقال : قال الله - عز وجل - : هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده  . فالأجل الأول أجل العبد من حين ولادته إلى حين موته ، والأجل الثاني : يعني المسمى عنده - من حين وفاته إلى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلا الله ; فإذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه زاده الله في أجل عمره الأول من أجل البرزخ ما شاء ، وإذا عصى وقطع رحمه نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء ، فيزيده في أجل البرزخ ، فإذا تحتم الأجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان ; لقوله تعالى : فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فتوافق الخبر والآية ; وهذه زيادة في نفس العمر وذات الأجل على ظاهر اللفظ ، في اختيار حبر الأمة .
رأى شيخ الإسلام بن تيمية : فى الفتاوى
س ::: قد يشكل على بعض الناس مواضع في كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله وسلم  ، فيقول بعضهم : إذا كان الله علم ما هو كائن ، وكتب ذلك كله عنده في كتاب فما معنى قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) [ الرعد : 39 ] .وإذا كانت الأرزاق والأعمال والآجال مكتوبة لا تزيد ولا تنقص فما توجيهكم لقوله صلى الله عليه وسلم : " من سرَّه أن يُبسط له في رزقه ، ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه " .وكيف تفسرون قول نوح لقومه : ( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون - يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى ) [ نوح : 3-4 ] .وما قولكم في الحديث الذي فيه أن الله جعل عمر داود عليه السلام مائة سنة بعد أن كان أربعين سنة . والجواب :: أن الأرزاق والأعمار نوعان : نوع جرى به القدر وكتب في أم الكتاب ، فهذا لا يتغير ولا يتبدل ، ونوع أعلم الله به ملائكته فهذا هو الذي يزيد وينقص ، ولذلك قال الله تعالى : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) [ الرعد : 39] . وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي قدر الله فيه الأمور على ما هي عليه .ففي كتب الملائكة يزيد العمر وينقص ، وكذلك الرزق بحسب الأسباب ، فإن الملائكة يكتبون له رزقاً وأجلاً ، فإذا وصل رحمه زيد له في الرزق والأجل ، وإلا فإنه ينقص له منهما (1) .
" والأجل أجلان : أجل مطلق يعلمه الله ، وأجل مقيد ، فإن الله يأمر الملك أن يكتب لعبده أجلاً ، فإن وصل رحمه ، فيأمره بأن يزيد في أجله ورزقه . والملك لا يعلم أيزاد له في ذلك أم لا ، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر ، فإذا جاء الأجل لم يتقدم ولم يتأخر " (2) .يقول ابن حجر العسقلاني : " الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل ، والذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل ، ولا يبعد أن يتعلق ذلك بما في علم الحفظة والموكلين بالآدمي ، فيقع فيه المحو والإثبات ، كالزيادة في العمر والنقص ، وأما ما في علم الله فلا محو فيه ولا إثبات والعلم عند الله "
 (21) (1) راجع مجموع فتاوى شيخ الإسلام : 8/540 . (2) راجع المصدر  السابق : 8/517 .(3) فتح الباري : 11/488 .(4) صحيح الجامع الصغير : 3/113 ورقم الحديث : 3232 .(5) راجع في هذا المبحث : مجموع فتاوى شيخ الإسلام : 8/110، 224 .... عقيدة اهل السنة موقع القضاء والقدر  http://www.3gedh.com/alqdr/qda-qdr/qdaqdr09.htm
6ــ تأويل الإمام النووي رحمه الله : فى الحديث
لفظ ( ينسأ ) مهموز أي يؤخر و( الأثر ) الأجل لأنه تابع للحياة في أثرها وبسط الرزق توسيعه وكثرته وقيل البركة فيه ,,,
وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص لقوله تعالى)  :  فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ )  )لأعراف :34)
ـ وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها الأول : أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات
وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر,, للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى " يمحو الله ما يشاء " ويثبت فيه النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره ولا زيادة بل هي مستحيلة وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث والثالث : أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل والله أعلم " شرح النووي على صحيح مسلم ج16/ص 114- 115]وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله :
"
وأما قوله تعالى { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ }فاطر:11 ] فقد قيل أن المراد الجنس
أي ما يعمر من عمر إنسان و لا ينقص من عمر إنسان التعمير و التقصير يراد به شيئان
أحدهما أن هذا يطول عمره و هذا يقصر عمره فيكون تقصيره نقصاً له بالنسبة إلى غيره كما أن المعمر يطول عمره و هذا يقصر عمره فيكون تقصيره نقصا له بالنسبة إلى غيره كما أن التعمير زيادة بالنسبة إلى آخر وقد يراد بالنقص النقص من العمر المكتوب كما يراد بالزيادة الزيادة في العمر المكتوب و فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال : " من سره أن يبسط له فى رزقه ينسأ له فى أثره فليصل رحمه " و قد قال بعض الناس إن المراد به البركة فى العمر بأن يعمل فى الزمن القصير مالا يعمله غيره إلا في الكثير قالوا لأن الرزق و الأجل مقدران مكتوبان فيقال لهؤلاء تلك البركة و هي الزيادة فى العمل و النفع هي أيضا مقدرة مكتوبة و تتناول لجميع الأشياء .
والجواب المحقق : أن الله يكتب للعبد أجلا فى صحف الملائكة فإذا و صل رحمه زاد فى ذلك المكتوب و إن عمل مايو جب النقص نقص من ذلك المكتوب ونظير هذا ما فى سنن الترمذي وغيره عن النبى :
"
أن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه إياهم فرأى فيهم رجلا له بصيص فقال:من هذا يارب فقال: ابنك داود قال: فكم عمره ؟ قال :أربعون سنة قال: وكم عمري ؟ قال: ألف سنة قال: فقد وهبت له من عمرى ستين سنة فكتب عليه كتاب وشهدت عليه الملائكة فلما حضرته الوفاة قال قد بقي من عمري ستون سنة قالوا وهبتها لابنك داود فأنكر ذلك فأخرجوا الكتاب قال النبى فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته " صححه الألباني وروى أنه كمل لآدم عمره ولداود عمره فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين وهذا معنى ما روى عن عمر أنه قال : " اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا فانك تمحو ما تشاء وتثبت " فلهذا قال العلماء إن المحو والإثبات فى صحف الملائكة وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له مالم يكن عالما به فلا محو فيه ولا إثبات " ا.هـ كتب ورسائل وفتاوى ابن تيميةفي التفسيرج14/ص490-492]
وقال رحمه الله بمجموع الفتاوى [ج8/ص517] :  والأجل أجلان أجل مطلق يعلمه الله
وأجل مقيد وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم :  من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه "  فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال " إن وصل رحمه زدته كذا وكذا" والملك لايعلم أيزداد أم لا لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر "
وقال ابن حجر رحمه الله : قال ابن التين ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى : فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }والجمع بينهما من وجهين أحدهما : أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم فأعطاه الله ليلة القدر وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى  بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعد هو الصدقة الجارية عليه والخلف الصالح ثانيهما : أن الزيادة على حقيقتها
وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر وأما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى كأن يقال للملك مثلا أن عمر فلان مائة مثلا أن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص واليه الإشارة بقوله تعالى : يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد/39] فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المعلق والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب فإن الأثر ما يتبع الشيء فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور وقال الطيبي الوجه الأول أظهر واليه يشير كلام صاحب الفائق قال ويجوز أن يكون المعنى أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا فلا يضمحل سريعا كما يضمحل أثر قاطع الرحم ولما أنشد أبو تمام قوله في بعض المراثي : توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر قال له أبو دلف: لم يمت من قيل فيه هذا الشعر ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام : وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ } [الشعراء/84]وقد ورد في تفسيره وجه ثالث فأخرج الطبراني في الصغير بسند ضعيف عن أبي الدرداء قال ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : من وصل رحمه أنسيء له في أجله فقال إنه ليس زيادة في عمره قال الله تعالى :{ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ } الآية ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده وله في الكبير من حديث أبي مشجعة الجهني رفعه إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها وإنما زيادة العمر ذرية صالحة الحديث وجزم بن فورك بأن المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله وقال غيره في أعم من ذلك وفي وجود البركة في رزقه وعلمه ونحو ذلك
    (22) [فتح الباري : ج10/ص416]    المصدر الجامع الكبير لكتب التراث العربي )

7 ـ الشيخ عبد العزيز بن باز  :
كيف نوفق بين قوله تعالى: ((يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) [الرعد:39] وبين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: رُفعت الأقلام وجفت الصحف؟ وضحوا لنا جزاكم الله خيراً.
لا منافاة بين الأحاديث وبين الآية الكريمة، فإن الآية فسرها أهل العلم بأن المراد منها الشرائع يمحو الله ما يشاء مما شرع ويثبت منها ما شاء سبحانه وتعالى، فينسخ شيئاً ويثبت شيئاً مما شرع سبحانه وتعالى، والبعض فسرها بالحسنات والسيئات، يمحو الله ما يشاء من السيئات بالتوبة وبالحسنات، ويمحو بعض الحسنات بتعاطي ما حرم الله عز وجل مما يزيلها. فالحاصل أنها ليست المراد بها ما سبق به القدر، ما سبق به القدر لا يمحى، ما استقر في علم الله أنه يقع لا يُمحى، بل الأقدار ماضية (رفعت الأقلام وجفت الصحف) فما قدره الله وسبق في علمه أنه يكونُ يكون، وما سبق في علمه أنه لا يكون لا يكون، فهو غير داخل في الآية الكريمة، وإنما الآية فيما يتعلق بالشرائع والأحكام أو بالحسنات والسيئات لا فيما يتعلق بالأقدار، هذا هو أصح ما قيل في الآية الكريمة.  (23)ـ  فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز ((http://www.binbaz.org.sa/mat/18407
8 ـ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسير ذلك:
 المرجع تفسير  سورة ق :" المكتوب الذي بأيدي الملائكة عرضة للمحو والإثبات لقول الله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب }. يعني أصل أم الكتاب هو لوح محفوظ مكتوب فيه ما يستقر عليه العبد، فما يستقر عليه العبد مكتوب، لكن ما كان قابلاً للمحو والإثبات في أيدي الملائكة، قال الله - عز وجل -: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات }. حسنة تذهب السيئة وتمحوها بعد أن كتبت، وهذا باعتبار ما في أيدي الملائكة، أما أم الكتاب الأصل مكتوب فيها ما يستقر عليه العبد "
(24)   المرجع ... تفسير سورة ق )
وقال فضيلة الشيخ أيضاُ :
"
ليس معنى ذلك أن الإنسان يكون له عمران: عمر إذا وصل رحمه، وعمر إذا لم يصل، بل العمر واحد، والمقدر واحد، والإنسان الذي قدر الله له أن يصل رحمه سوف يصل رحمه، والذي قدر الله أن يقطع رحمه سوف يقطع رحمه ولابد، ولكن الرسول، عليه الصلاة والسلام، أراد أن يحث الأمة على فعل ما فيه الخير، كما نقول: من أحب أن يأتيه ولد فليتزوج، فالزواج مكتوب،
والولد مكتوب، فإذا كان الله قد أراد أن يحصل لك ولد أراد أن تتزوج، ومع هذا فإن الزواج والولد كلاهما مكتوب،كذلك هذا الرزق مكتوب من الأصل، ومكتوب أنك ستصل رحمك، لكنك أنت لا تعلم عن هذا فحثك النبي، صلى الله عليه وسلم، وبين لك أنك إذا وصلت الرحم فإن الله يبسط لك في الرزق، وينسأ لك في الأثر، وإلا فكل شيء مكتوب، لكن لما كانت صلة الرحم أمرًا ينبغي للإنسان أن يقوم به حث النبي، عليه الصلاة والسلام على ذلك بأن الإنسان إذا أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه،وإلا فإن الواصل قد كتبت صلته وكتب أن يكون عمره إلى حيث أراد الله عز وجل.
ثم اعلم أن امتداد الأجل، وبسط الرزق أمر نسبي، ولهذا نجد بعض الناس يصل رحمه، ويبسط له في رزقه بعض الشيء، ولكن عمره يكون قصيرًا وهذا مشاهد، فنقول هذا الذي كان عمره قصيرًا مع كونه واصلاً للرحم لو لم يصل رحمه لكان عمره أقصر، ولكن الله قد كتب في الأزل أن هذا الرجل سيصل وسيكون منتهى عمره في الوقت الفلاني  .
(25) فتوى الشيخ  "http://www.alfeqh.com/montda/topic/13070-

فتاوى ورسائل للشيخ عبد الرزاق عفيفي ص ٣٤٧ س :
ـ وأيضاً قال قال تعالى : (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب). وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ ؛ لأن جميع ما يكتب مرجعه إلى اللوح المحفوظ لا يغير ولا يبدل وهو الذي تستقر عليه الأمور ، وأما ما دون ذلك مما يكتب فهذا قابل للمحو والإثبات ، وقد مر علينا أن مع كل إنسان ملكين يكتبان ما يفعله:( كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) . هذا الذي يكتب إذا كتب فهو إثبات ، فإذا تاب الإنسان من ذلك محي ، فهذا محو وإثبات فيكون المحو والإثبات واقعين في الصحف التي بأيدي الملائكة ، أما ما في اللوح المحفوظ فإنه محفوظ وهو المرجع والأم. وأما الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه ) ، فليس معنى هذا أن يكون الإنسان له عمران عمر إذا وصل رحمه ، وعمر إذا لم يصل ، بل العمر واحد ، والمقدار واحد ، والإنسان الذي قدر الله تعالى أن يصل رحمه سوف يصل رحمه ، والذي قدر الله تعالى أن يقطع رحمه سوف يقطع رحمه ، ولا بد ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يحث الأمة على فعل ما فيه الخير ، كما نقول من أحب أن يأتيه ولد فليتزوج ، فالزواج مكتوب ، والولد مكتوب ، فإذا كان الله قد أراد أن يحصل لك ولد ، أراد أن تتزوج ، مع هذا فإن هذا الزواج والولد كلاهما مكتوب ، كذلك هذا الرزق هو مكتوب من الأصل ، ومكتوب أن تصل رحمك ، لكنك أنت لا تعلم عن هذا ، فحثك النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين لك أنك إذا وصلت الرحم فإن الله يبسط لك في الرزق ، وينسأ لك في الأثر ، وإلا فلك شيء مكتوب بلا شك ، حتى الزواج ، وحتى شراء البيت ، وغير ذلك لكن لما كانت صلة الرحم أمرا ينبغي للإنسان أن يقوم به حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على ذلك بهذا. ثم أعلم ـ بارك الله فيك ـ أن تأخير الأجل وبسط الرزق أمر نسبي ليس أمرا مطلقا ، ولهذا نجد بعض الناس يصل رحمه وبسط له في رزقه بعض الشىء ، ولكن عمره يكون قصيرا وهذا مشاهد فنقول هذا الذى كان عمره قصيرا مع كونه واصلا لرحمه لو لم يصل رحمه لكان عمره أقصر ، ولكن الله تعالى قد كتب في الأزل أن هذا الرجل سيصل رحمه وسيكون منهى عمره في وقت كذا .
 (26 ) المصدر :: فتاوى ورسائل للشيخ عبد الرزاق عفيفي ص ٣٤٧ س ٣http://www.bab.com/hotlines/question.cfm?id=598 
10 ــ قال ابن التين :
قال ابن التين : ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى ) فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( والجمع بينهما من وجهين :
أحدهما / أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك ، وحاصله أن صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت .
الثاني / أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر ، أما الأول الذي دلت عليه الآية فالبنسبة إلى علم الله تعالى ، وكأن يقال للملك مثلاً إن عمر فلان مائة مثلاً إن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لايتقدم ولا يتأخر ، فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة.
وذكر هذين القولين النووي في شرح مسلم ورجح القول الأول .وقال شيخ الإسلام :
والأجل أجلان " أجل مطلق " يعلمه الله " وأجل مقيد " وبهذا يتبين قوله صلى الله عليه وسلم :" من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً وقال : ( إن وصل رحمه زدته كذا وكذا ) والملك لايعلم أيزداد أم لا ولكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء ذلك لايتقدم ولايتأخر

11ـ رأى الشيخ الشعراوى : فى خواطره : والمحو كما نعلم هو الإزالة ، والتثبيت أي : أن يُبقِى الحق ما يراه ثابتاً . وقد فهم بعض الناس ـ خطأ ـ أن كل حكم في القرآن قد جاء ليثبت وسيظل هكذا أبد الدهر ؛ ولكن عند التطبيق ظهر أن بعض الأحكام يقتضي تغييرها يغيرها الله لحكمة فيها خير للبشرية . ونقول : لا ، لم يحدث ذلك ، ولكن كانت هناك أحكام مرحلية ؛ ولها مُدة محددة ، ولذلك جاء قول الحق سبحانه : ( وعنده أم الكتاب ) الرعد 39
أي : عنده اللوح المحفوظ الذي تحددت فيه الأحكام التي لها مدة محددة ؛ وما أن تنتهي إلا وينزل حكم آخر مكانها ، وعلى هذا المعنى يمكن أن نقول : إنه لم يوجد نَسْخٌ للأحكام ، لأن معنى النَّسْخ أن يُزحزح حكماً عن زمانه ، وهنا لم نجد حكماً يتزحزح عن زمانه ؛ لأن كل حكم موقوت بوقت محد ؛ وما أن ينتهي الوقت حتى يبدأ حكم جديد . أقول ذلك كي أنبِّه البعض إلى ضرورة أن يجلسوا معاً لدراسة ذلك ، حتى لا يختلف البعض في قول : هل هناك نسخ أم لا ، وأقول : فلنحدد النسخ أولاً ، لأن البعض يظن أن هناك حكماً كان يجب أن ينسحب على كل الأزمنة ، ثم جاء حكم آخر ليحل محله لحكمة تقتضيها مصلحة البشرية والمراد لله منها . ولا يوجد حكم أنهى حكماً وطرأ عليه ساعة الإنتهاء ؛ بل كل الأحكام كانت مقدورة أزلاً ؛ وعلى ذلك فلا يوجد نَسْخ لأي حكم ، ولكن هناك أحكام ينتهي وقتها الذي قدره الله لها ؛ ويأتني حكم سبق تقديره أزلاً ليواصل الناس الأخذ به ؛ وما دام كذلك فلا يوجد نسخ . يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.... فهو يعني أنه سبحانه يُنهي زمن الحكم السابق الذي ينتهي زمنه في أم الكتاب أي اللوح المحفوظ ؛ ثم يأتي الحكم الجديد . والمثال : هو حكم الخمر ؛ وقد عالجها الحق سبحانه أولاً بما يتفق مع قدرة المجتمع ؛ وكان المطلب الأول هو تثبيت العقيدة ؛ ثم تجيء الأحكام من بعد ذلك. وهناك فرق بين العقيدة ـ وهي الأصل ـ وبين الأحكام ، وهي تحمل أسلوب الالتزام العقدىّ ، وكان الحكم في أمر العقيدة مُلزماً ومستمراً . أما الأحكام مثل حكم الخمر فقد تدرج في تحريمها بما يتناسب مع إلْف الناس ؛ واعتيادهم ؛ فقلل الحق سبحانه زمن صُحْبة الخمر ؛ ثم جاء التحريم والأمر بالإجتناب ، وعدم القرب منها .. ويصح أن يتسع معنى قول الحق سبحانه : يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ليشمل نسح رسالة برسالة أخرى ؛ فيكون محا شيئاً وأثبت شيئاً آخر.. مثال : أن الله عز وجل أمر سيدنا آدم عليه السلام بتزوج الأخ لأخته وكان هذا الأمر لغرض تكاثر البشرية ؛ ولكن بعد زمن معين محى الله عز وجل هذا الحكم وبدله بحكم آخر ؛ والآن لا يجوز ليهودي أو مسيحي أو مسلم أن يتزوج من أخته . فكل شيء فيه تغيير إلى الخير يصح فيه المحو والإثبات ، وهو من عند الرقيب العتيد. ق18مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد.. أي أنه القادر على أن يأمر الرقيب والعتيد بأن يُثبتا الواجبات والمحرمات ، وأن يتركا الأمور المباحة ، وهو القادر على أن يمحو ما يشاء من الذنوب ، ويثبت ما يشاء من التوبة..
                                                                                    (28 ) من خواطر الإمام / محمد متولي الشعراوي )
 12ـ رأى الشيخ / على بن على العز الحنفى فى شرح ( عقيدة الطحاوية ):
وأما قوله تعالى : وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب  ( فاطر : 11 ) ، فقد قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى : من عمره أنه بمنزلة قولهم : عندي درهم ونصفه ، أي : ونصف درهم آخر ، فيكون المعنى : ولا ينقص من عمر معمر آخر ، وقيل : الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة ، وحمل قوله تعالى : لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب  ( الرعد : 38 - 39 ) ، على أن المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة ، وأن قوله : وعنده أم الكتاب  . اللوح المحفوظ . ويدل على هذا الوجه سياق الآية ، وهو قوله : لكل أجل كتاب ، [ ص: 132 ] ثم قال : يمحو الله ما يشاء ويثبت  ( الرعد : 39 ) ، أي : من ذلك الكتاب ، وعنده أم الكتاب ، أي : أصله ، وهو اللوح المحفوظ . وقيل : يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ، والسياق أدل على هذا الوجه من الوجه الأول ، وهو قوله تعالى : وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب  . فأخبر تعالى أن الرسول لا يأتي بالآيات من قبل نفسه ، بل من عند الله ، ثم قال : لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت  ( الرعد : 38 - 39 ) ، أي : إن الشرائع لها أجل وغاية تنتهي إليها ، ثم تنسخ بالشريعة الأخرى ، فينسخ الله ما يشاء من الشرائع عند انقضاء الأجل ، ويثبت ما يشاء . وفي الآية أقوال أخرى ، والله أعلم بالصواب .
( 29) شرح عقيدة  الطحاوية للشيخ بن عز الحنفى )
13ـ رسالة ماجستير للدكتور / محمد سرور شعبان بعنوان الشيخ الألباني ومنهجه في تقرير مسائل الاعتقاد......
ولكي نفهم هذه الآية لأبد أن نعرف بعض الأمور:.
1-القدر المثبت( أي هو ما في أم الكتاب( إما اللوح المحفوظ أو في علم الله) وهو لا يتبدل ولا يتغير .
2- القدر المعلق(أو المقيد): وهو ما في كتب الملائكة وهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات( قلت: وقد يكون مقيد في أم الكتاب بالفعل مثاله : قد كتب لفلان إن وصل رحمه زيد له في رزقه وأجله وكذا إن فعل حدث له ما يقابله)عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه )بخاري(يبسط ) يوسع . ( ينسأ ) يؤخر . ( أثره ) بقية عمره ( فليصل رحمه) فليبر بأقاربه يقول ابن تيمية" والأجل أجلان أجل مطلق يعلمه الله وأجل مقيد وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم" من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه) فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال إن وصل رحمه فزده كذا وكذا والملك لا يعلم أيزداد ام لا لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر"      وسئل عن الرزق هل يزيد وينقص؟
فقال" الرزق نوعان ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير .
والثاني ما كتبه وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب"الفتاوى(8-517)ويقول الحافظ ابن حجر" كأن يقال للملك إن عمر فلان مائة عام إن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص واليه الإشارة بقوله تعالى" يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" فالمحو الإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في ام الكتاب هو الذي في علم الله فلا محو فيه ألبتة ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المعلق" فتح الباري(10-430)  ويقول شيخ الإسلام" فالأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله و كتبه فإن كان قد تقدم بأن يرزق العبد بسعيه وإكتسابه ألهمه السعي والإكتساب وذلك الذي قدره له بالإكتساب لا يحصل بدون الإكتساب وما قدره له بغير إكتساب كموت مورثه يأتيه بغير إكتساب" الفتاوى(8-540-541)
14ـ يقول ابن باز" والأظهر أن جميع أنواع القدر كلها موجودة في أم الكتاب فما كان منها معلقا على أسباب وجد عند وجود السبب وما كان غير معلق وقع في وقته لا يتقدم ولا يتأخر والعبد مأمور بفعل الأسباب وأداء الأوامر وترك النواهي وكل ميسر لما خلق له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم...." الإيمان بالقضاء والقدر127.....فملخص الكلام في هذا قوله عليه الصلاة والسلام"... فإن كان مؤمنا قال أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول صدقت ثم يفتح له باب إلى النار فيقول هذا كان منزلك لو كفرت بربك فأما إذ آمنت فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد ان ينهض إليه فيقول له اسكن ويفسح له في قبره وان كان كافرا أو منافقا يقول له ما تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فيقول لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا ويفتح له باب إلى النار ثم يقمعه قمعة بالمطراق يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين" رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
(30) استفيدت هذه المادة من رسالة ماجستير ل محمد سرور شعبان اسمها الشيخ الالباني ومنهجه في تقرير مسائل الاعتقاد)
15ـ رأى الدكتور الشيخ  :  سفر الحوالى  فى هذه المسألة يقوم على سبعة محاور باختصار::
:المحور الأول :ـ تأويل الآية والاختلافات الواردة فيها : يقول رحمه الله: [وقد تقدمت الإشارة إلى بعض الأقوال التي في تفسير قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39].]، وقد تقدم هذا في أول العقيدة عند قول الطحاوي رحمه الله: [خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقداراً، وضرب لهم آجالاً] وتحدثنا هناك وأطلنا الحديث في مسألة الأجل، وكيف يكون أجل الإنسان مضروباً محدداً منذ أن تنفخ فيه الروح، ومع ذلك فإن صلة الرحم تزيد في العمر، ويوضح ذلك معرفة الفرق بين القدر المعلق وبين القدر المثبت الذي في أم الكتاب... إلى أن قال المصنف في آخر الفقرة: [وقيل: الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة. وحمل قوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:38-39] على أن المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة،وأن قوله: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]: اللوح المحفوظ، ويدل على هذا الوجه سياق الآية، وهو قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38] ثم قال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39]" أي من ذلك الكتاب، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] أي: أصله، وهو اللوح المحفوظ]. هذا القول الأول كما ذكره رحمه الله..... ثم ذكر القول الثاني فقال: [وقيل: يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، والسياق أدل على هذا الوجه من الوجه الأول]، وقد ذكرنا حين شرحنا هذه الفقرة أن الإمام ابن أبي العز رحمه الله رجح المرجوح، والصحيح أن الوجه الأول هو الأرجح كما سنعرض هنا إن شاء الله.... إذا أردت أن تفهم آية من كتاب الله عز وجل، فاحرص على أن تقرأ ما قبلها وما بعدها؛ فإن ذلك يوضح معناها، أو يعينك على أن تعرف المراد من هذه الآية، فإذا أخذنا الآية من أولها أو من الآية التي قبلها وقرأنا: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:38-39] أمكننا أن نحدد المعنى القريب، وإن كانت قد تختلف المعاني والآراء في هذا المعنى كما سنلاحظ. والإمام ابن جرير الطبري رحمه الله أطال في هذه الآية بذكر الآثار والأقوال، والحافظ ابن كثير رحمه الله أتى بملخص كلام ابن جرير مع بعض الإضافات المهمة....
القول الأول في تفسير: (يمحو الله ما يشاء ويثبت):::بأن المحو والإثبات فى الأقدار : والذي نوجزه في هذه الآية هو: أن المراد (يمحو الله ما يشاء) من الأقدار ومن أمور العباد (ويثبت، وعنده أم الكتاب)، أي: أن المحو والإثبات في الأقدار، وأن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ، هذا هو القول الأول، فيمحو ما يشاء ويثبت في الأقدار ما يشاء؛ من أعمال العباد، ومن أمور وشئون الخلق، (وعنده أم الكتاب) أي: اللوح المحفوظ، وهو الذي لا يتغير ما فيه ولا يتبدل، وهذا القول ورد عن بعض السلف بإطلاق، وورد عن بعضهم باستثناء، أما الذين أطلقوا فقالوا: يمحو كل ما يشاء ويثبت كل ما يشاء، (وعنده أم الكتاب) التي لا محو فيها ولا تغيير ولا تبديل، وبعض السلف رحمهم الله تعالى قالوا: يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الأرزاق والآجال (الحياة والموت)، وبعضهم قال: إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت، وهما متلازمان، فالله تعالى يمحو ما يشاء ويثبت إلا هذه الأشياء، فكون الإنسان كتب شقياً أو سعيداً، وأجله (حياته وموته)، فهذه لا يدخلها التبديل على قول بعض السلف ، وهي المذكورة في حديث عبد الله بن مسعود عن الصادق المصدوق ..
هذا القول الأول وهو: أن المحو والإثبات واقع في الأقدار، هو الذي ورد عن كثير من السلف الصالح ، وأورد ابن جرير رحمه الله ذلك بالسند إلى أئمة التفسير من الصحابة والتابعين كـابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم أجمعين، واستدل على ذلك أيضاً بما ورد من آثار عن بعض السلف تؤيد هذا المعنى، أن الله سبحانه وتعالى يمحو ما يشاء ويثبت من الأقدار، حتى في الشقاء والسعادة..... ومن ذلك ما روي من دعاء بعض السلف: اللهم إن كنت كتبتني في ديوان الأشقياء فامحني، واكتبني في ديوان السعداء] وقد ورد هذا الدعاء عن شقيق بن سلمة أبي وائل التابعي المشهور، وعن عبد الله بن مسعود شيخ شقيق ، وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.. فدعاء هؤلاء السلف يتضمن أنهم يعلمون ويقرون بأن الله سبحانه وتعالى قد كتب الشقاوة والسعادة، ولكنه يمحو منها ما يشاء ويثبت ما يشاء، ونقل أن مجاهداً رحمه الله سأله رجل عن هذا الدعاء فأقره، وقرأ عليه هذه الآية، وهؤلاء جمع من السلف رأيهم في تفسير هذه الآية: أن المحو والإثبات في الأقدار، وعلى هذا المعنى يكون معنى قوله تعالى: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ وعنده اللوح المحفوظ.... وأيد الحافظ ابن كثير هذا القول بخلاف ابن جرير رحمه الله؛ لأن هذا القول يؤيده ما رواه الحاكم في مستدركه من حديث ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه   } ورواية الإمام أحمد : {ولا يرد القدر إلا الدعاء   } وأيده بما في الصحيح: {من أراد أن ينسأ له في أجله، وأن يبسط له في رزقه، فليصل رحمه   } إذاً: صلة الرحم تزيد في العمر، والدعاء يرد القضاء. وأيده أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: {إن الدعاء والقضاء ليعتلجان ما بين السماء والأرض.. استدل الحافظ ابن كثير رحمه الله بهذه الأدلة على تأييد هذا القول، ويمكن أن نضيف نحن دليلاً آخر وهو تابع لذلك، وذلك أننا قررنا أن المحو والإثبات في الأقدار، فما هو أم الكتاب؟؟...والجواب: هو اللوح المحفوظ. وهل جاء في القرآن ما يدل على أن اللوح المحفوظ هو أم الكتاب؟...الجواب: نعم. قال الله تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [الزخرف:4]، وفي سورة البروج قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22] إذاً: اللوح المحفوظ هو أم الكتاب، واللوح المحفوظ له أسماء، منها: أم الكتاب، ومنها: الإمام المبين، ومنها: الذكر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وكتب في الذكر كل شيء  } وكما قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105] أي: في اللوح المحفوظ على أرجح الأقوال... وعلى هذا النسق نفهم قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [الرعد:38] ثم قال: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38] فالله سبحانه وتعالى قد قدر آجال الخلق وآجال إرسال الرسل وآجال إنزال البينات والآيات عليهم، ومع أنه سبحانه وتعالى قد قدر كل شيء وضرب له أجلاً لا ريب فيه، لا يستقدم عنه ولا يستأخر؛ إلا أنه سبحانه وتعالى يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، وعنده اللوح المحفوظ الذي لا تبديل ولا تغيير لما كتب فيه من الأقدار، ويؤيد ذلك أن بعض السلف نصوا على أن ما يقدره الله سبحانه وتعالى في رمضان قد يغير، ولكن ما في اللوح المحفوظ لا يغير، وفي رمضان تكون الكتابة السنوية في ليلة القدر التي يكتب الله سبحانه وتعالى فيها ما يكون إلى مثلها من السنة القادمة، وأيضاً يغير ما يكتبه الملك عند نفخ الروح فيه؛ حين يأمره الله تعالى أن يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فيغير ذلك، ولكن لا يغير ما في اللوح المحفوظ، هذا هو القول الأرجح.... القول الثاني في تفسير: (يمحو الله ما يشاء ويثبت).. القول الثاني في قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] أن ذلك في الكتب المنزلة فقوله: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38] أي: أن الرسل لا يأتون بالآيات أو الكتب المنزلة أو المعجزات والبراهين إلا بإذن الله، وقد جعل الله لكل أجل كتاباً؛ فيكون المعنى: أن الله يمحو ما يشاء من الآيات أو الكتب ويثبت، وعنده أصل الكتاب... القول الثالث في تفسير: (يمحو الله ما يشاء ويثبت):: هذا القول هو فرع من سابقه، وهو: أن المحو والإثبات في الشريعة الواحدة، أي: ليست شريعة تنسخ شريعة فقط، بل هناك نسخ في نفس الشريعة الواحدة، فهو كقوله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106] فهو سبحانه وتعالى ينسخ ويمحو من القرآن ما يشاء، ويثبت ما يشاء؛ من أحكام الحلال والحرام، (وعنده أم الكتاب) أي: أصله وجملته؛ فالحلال والحرام مثبت فيه، ولكن يحلل لعباده ما يشاء ويحرم عليهم ما يشاء كما يشاء عز وجل، أو ينزل من الآيات على الرسل ما يشاء، ويمحو تلك الآيات ويأتي بآيات أخرى كما يشاء.... فإن قلنا بالمحو والإثبات في الشرائع عامة، فمثاله أن الله سبحانه وتعالى أيد عيسى بن مريم بالإنجيل، وأعطاه الآيات البينات، ثم محا ذلك وأنزل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأعطاه الآية الكبرى وهي القرآن، وهو ناسخ لما قبله، هذا على القول الثاني. أما على القول الثالث الذي هو جزء من الثاني -تقريباً- فيكون المعنى: أن الله سبحانه وتعالى ينزل آيات في القرآن، ثم يمحوها وينسخها، وينزل آيات أخرى في نفس الكتاب، وعنده أم الكتاب، فالقرآن الذي في اللوح المحفوظ لا تغيير فيه، لكن بعض الآيات التي نسخت أحكامها وتلاوتها، أو تلاوتها هذه ليست مثبتة في اللوح المحفوظ، ولا تغيير في اللوح المحفوظ، هذا هو القول الذي ذهب ومال إليه بعض السلف . القول الرابع في تفسير: (يمحو الله ما يشاء ويثبت).. القول الرابع في المحو والإثبات: وهو أنه يكون في صحف الملائكة، وقد قيل في قوله تعالى: هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29] أن معناه: كنا ننقله من اللوح المحفوظ، والإشكال هو أنه: ما دامت الملائكة تنقل من اللوح المحفوظ، فكيف يكون المحو والتغيير واللوح المحفوظ لا محو فيه ولا تغيير؟!الجواب: أن الملائكة تكتب ما يعمله العبد طبقاً لما تراه، لا نقلاً عن اللوح المحفوظ، لكن إذا رفعت الأقلام وجفت الصحف وطويت، فإنها تطوى مطابقة لما في اللوح المحفوظ، ولهذا يوجد من تكتب له الملائكة الطاعات وتظن -كالبشر- أنه قد يموت على هذه الطاعات، ولكنه في اللوح المحفوظ مكتوب في ديوان الشقاوة والعياذ بالله؛ فيختم له بذلك، ويمحى ما كتبته الملائكة له من أعمال الخير، ويثبت في ديوان الشقاوة، وتطوى صحيفته بحسب ما في أم الكتاب. وهذا معنى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: { فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها    }  فصحف الملائكة وما تكتبه فيها ليس من القدر في شيء، وإنما هي تكتب أعمالنا، بخلاف الملك الذي ينفخ الروح، فإنه يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، فهذا قدر، أما ما تكتبه الملائكة فهو الواقع الموجود، فإن صلّى العبد كتبوا أنه صلى، وإن زنى كتبوا أنه زنى عياذاً بالله، وهذا الواقع قد يقتضي السعادة وقد يقتضي الشقاوة، وقد تكتب الملائكة أنه زنى وسرق وفعل وفعل، لكنه عند الله تعالى من السعداء، كالرجل الذي قتل مائة نفس، ثم بعد ذلك تاب الله سبحانه وتعالى عليه . وكم من رجل كان يعمل في ظاهره بالخير والصلاح، ثم كتبت له سوء الخاتمة..! أعاذنا الله وإياكم من ذلك..!
وهناك الذين يظلمون ويغتابون الناس، ويؤذون خلق الله، تكتب لهم الملائكة صلواتهم وصدقاتهم وأعمال برهم؛ ويأتي أحدهم يوم القيامة وله حسنات كالجبال، لكنه هو المفلس كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: {أتدرون من المفلس؟   } وذلك أنه يأتي وقد ظلم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا.. وكلها مظالم للعباد، فما بينه وبين الله حسنات، لكن ما بينه وبين العباد مظالم وسيئات؛ فيؤخذ من هذه الحسنات يوم القيامة ويعطى لأولئك الخصوم المظلومين، حتى إذا ما نفدت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه. فقد تكتب الملائكة حسنات وتكون النهاية شقاءً، وقد تكتب سيئات وتكون النهاية سعادة، وهذا شيء آخر ولا علاقة تلازمية بينهما. فهذا الإشكال كيف تستنسخ الملائكة من اللوح المحفوظ، ومع ذلك نقول: إنه لا تغيير ولا تبديل في اللوح المحفوظ، مع وقوع التغيير والتبديل فيما تكتبه الملائكة؟! نقول في الجواب عنه: إن هذا إذا طويت الصحيفة وانتهت، وهذا الخطاب للكفار إنما هو يوم القيامة وقد طويت صحائفهم، وكتبت عليهم الشقاوة؛ فتشهد عليهم الملائكة بما كتبت في هذه الصحف المسطورة، فلا إشكال ولا تعارض إن شاء الله. القول الخامس في تفسير: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) هناك قول خامس في قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39وهو: أن الله سبحانه وتعالى ترفع إليه أعمال العباد جميعها، حتى قول العبد: (أكلت، أو شربت، أو أخذت)، والله سبحانه وتعالى يمحو منه كل شيء إلا ما له علاقة بالثواب والعقاب، ولكن أرجح الأقوال وأولاها هو القول الأول: أن المحو والإثبات في الأقدار، وأن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ، وهو ثابت لا تغيير فيه ولا تبديل. هناك نوعان من القدر: قدر نافذ، وقدر معلق، فالمعلق مرتبط بسببه؛ إن وقع سببه كان، وإن لم يقع السبب لم يكن، وأما القدر الثابت فهو نافذ لا محالة، وهو الذي في اللوح المحفوظ، كما نطق بذلك القران....
المحور الثانى : السؤال: هل يمحو ويغير الله ما يكتبه على العباد ويكتب غيره، وهل يرد الدعاء شيئاً من القدر؟الجواب: نعم، فالله تبارك وتعالى يقول: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ  [الرعد:39] ويقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: { لا يرد القضاء إلا الدعاء   } وهذا يحفزنا ويدفعنا للاجتهاد في طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى باستمرار، وأن نكثر من دعاء الله ونجتهد في طاعته، وندعوه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا من السعداء، وأن نعمل بعمل أهل السعادة....المحور الثالث : أصل التقدير الثابت في اللوح المحفوظ لا يغير؟؟لكن التقدير الذي لا يغير ما كَانَ في أم الكتاب، وعلى ذلك حملوا الآية في سورة الرعد لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:38-39] أي: الآجال، كل أجل له كتاب والله عَزَّ وَجَلَّ يمحو ما يشاء ويثبت من هذه الآجال ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ المذكور في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْر [الأنبياء:105]، فما كَانَ في اللوح المحفوظ فإنه لا يتغير ولا يتبدل ولا ينسخ منه شيء...المحور الرابع : مراتب القدر الزمنية:: وأما قوله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [فاطر:11] فقد قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى: مِنْ عُمُرِه إنه بمنزلة قولهم: عندي درهم ونصفه، أي ونصف درهم آخر، فيكون المعنى: ولا ينقص من عمر معمر آخر، وقيل الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة، وحمل قوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:38-39] عَلَى أن المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة، وأن قوله: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] اللوح المحفوظ. ويدل عَلَى هذا الوجه سياق الآية وهو قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، ثُمَّ قَالَ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ أي: من ذلك الكتاب، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] أي: أصله، وهو اللوح المحفوظ. وقيل: يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، والسياق أدل عَلَى هذا الوجه من الوجه الأول،...وقد سبق أن ذكرنا أن هناك تقديراً يومياً، وتقديراً سنوياً، وتقديراً عمرياً -على العمر كله- وتقديراً كونياً -على عمر الكون كله-، واللوح المحفوظ - أم الكتاب - قدر الله فيه الأمور الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل، وهو الذي في حديث {أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب: قال وما أكتب، قال: اكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة}   ، فهذا لا يتغير ولا يتبدل، أما التقدير اليومي في قوله عَزَّ وَجَلَّ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] فمعناه أنه يرفع ويخفض ويعطي ويمنع، وأما التقدير السنوي ففي ليلة القدر، وهي ليلة واحدة في العام فيقدر الله عَزَّ وَجَلَّ فيها ما سيقع في ذلك العام، فهذا التقدير عَلَى مستوى العام في العمر كله، يعني كل سنة من سنين العمر الكوني فإن الله تَعَالَى يقدر في ليلة القدر من تلك السنة من الآجال والأرزاق والحياة والموت وما أشبه ذلك، والتقدير العمري هو ما يتعلق بالعمر وهو أن العبد - كما مر معنا في حديث عبد الله بن مسعود - إذا مرت عليه مائة وعشرون ليلة أو اثنتان وأربعون ليلة - كما في الرواية الأخرى التي صرحت بذلك {أن الملك ينفخ فيه الروح ويكتب فيها رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد}   ، هذا التقدير عَلَى مستوى عمر الإِنسَان، أحد ماسبق من المراتب...المحور الخامس : التغيير في صحف الملائكة.. أما الصحف التي في أيدي الملائكة فهذه تقبل التغيير، والملائكة لا يعلمون الغيب إنما يأمرهم الله عَزَّ وَجَلَّ أن ينقلوا من اللوح المحفوظ، ولهذا قال ابن عباس - لما تقول الملائكة يَوْمَ القِيَامَةِ: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29]- ألستم عرباً؟ ألا تقرأون؟ فالملائكة تستنسخ بإذن الله عَزَّ وَجَلَّ، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقدر الأقدار العمرية والسنوية ويأمر الملائكة بها؛ لكن المكتوب في اللوح المحفوظ الذي تستنسخه الملائكة هو النهاية الأخيرة التي لا تقبل التغيير والتبديل بأي حال من الأحوال،  لذلك ذكر المصنف: إن زيادة ونقص العمر وأثر الأسباب في الآجال يحمل عَلَى الصحف التي في أيدي الملائكة، أو بمعنى أوسع. نقول: عَلَى القدر العمري أو القدر السنوي، أما أصل الكتاب فإنه لا يدخله التغيير ولا يدخله التبديل. ثُمَّ قَالَ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِت [الرعد:39] أي: من هذه الآجال، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ التي لا محو فيها ولا تغيير وذهب البعض الآخرين من العلماء -من الذين لا يرون أثراً للأسباب في الآجال- إِلَى أن آية الرعد ليست في موضع علاقة الدعاء بالقضاء والآجال، وإنما هي في موضوع الشرائع. فالكتابة -التي هي الكتابة القدرية الكونية القضائية- إنما هي في الشرائع والأديان بدليل أول الآية، كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِت وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:38، 39].
المحور السادس : الدعاء يرد القضاء  السؤال: إذا كان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قدر على الإنسان وقضى عليه سابقاً بشيء، ثم دعا الله وردّ عنه هذا البلاء، فكيف يجمع بين هذا وذاك؟الوجه الأول: هو ما جاء ذكره في قوله تعالى: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ  [الرعد:39]. فأُم الكتاب هو اللوح المحفوظ وهذا لا تغيير فيه ولا تبديل، لكن -كما تعلمون- هناك تقدير سنوي حولي في السنة، ويكون في ليلة القدر، وهناك تقدير عمري، وهذا يقدر إذا نفخ الملك الروح في الإنسان، وهناك التقدير الكوني، وهو الذي في اللوح المحفوظ، فيجوز أن يكون في التقدير العمري أو التقدير الحولي أو التقدير اليومي، الذي يقدره الله أمر معلق، ولكنه في اللوح المحفوظ ثابت، والأمر المعلق مثل أن يقدر الله على إنسان بمرض في التقدير الحولي أو العمري أو اليومي، لكنه يعلق بالدعاء، فإذا دعا الإنسان صرف عنه هذا التقدير، وإلا فإنه يحل به، أما التقدير الكوني فإنه لا بد إما أنه مكتوب بأنه يدعو، فينجو من المرض -مثلاً- أو لا يدعو فيصيبه المرض، فيكون هذا حافزاً لنا أن ندعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دائماً، ندعو الله تعالى ونستيقن أن هذا الدعاء سيصرف الله تعالى عنا به شيئاً من الشر، أو يحقق لنا شيئاً من الخير، أو يدخره لنا عنده.... الوجه الثاني: وهو أن الدعاء سبب من الأسباب، فمثلاً أنت تخشى أن تقع في مصيبة -عافانا الله وإياكم- فلو أنك مشيت في آخر الليل وأنت سهران، لربما وقع لك حادث، لكن لو قلت: أنا لن أقود السيارة وأنا سهران   فإنك تنجو بإذن الله، فهذا سبب تتخذه فتنجو بإذن الله. والدعاء سبب من الأسباب المشروعة شرعها الله لنا، فنتخذه لندرأ به ما نتوقعه من الشرور، فإن لله عز وجل أقداراً تمشي وفق السنن المعروفة لدينا، ونحن نعلم من السنة الربانية -وكل إنسان يعلم هذا- أن كثيراً من الناس دعوا الله عز وجل فجنبهم الله مصائب حاقت بمن حولهم، وهذا بفضل دعائهم لله عز وجل، بل حتى المشركين إذا دعوا الله عز وجل في البحر فإنه ينجيهم. إذاً: الدعاء سبب واضح مجرب يدفع بعض ما يقتضي في علمنا الإنساني البشري وقوع الشر ووقوع المصيبة، التي قد تكون مكتوبة عند الله أنها لا تقع، فالمسلم مطلوب منه أن يدعو الله عز وجل ويتخذ ذلك الدعاء سبباً لدفع الشر، ودفع البلاء الذي يتوقعه والذي يخافه، فلا ننسى دعاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كل وقت وفي كل حين، ولو من أجل شيءٍ بسيط....
المحور السابع الراجح في مسألة الآية :: وإن كَانَ لهذا القول الآنف الذكر وجه من القوة إلا أن المتأمل لا يرى تناسباً وتوافقاً بين تفسيرهم لأم الكتاب أنها شريعة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي نسخت جميع الشرائع وبين قوله: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ لكن إن قلنا: إن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ كَانَ ذلك المعنى مطرداً، وأما أول السياق وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [الرعد:38]، فلا تعارض بينه وبين ما بعده؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ يبين أن الأَنْبِيَاء لا يأتون بشيء من عند أنفسهم وإنما يأتون بأمر يعطيهم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ قال بعد ذلك: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد: 38] أي: أن الآجال مكتوبة ومقدرة سواء ما كَانَ منها للأعمار أو للشرائع أو لغيرها، فالعام لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، ثُمَّ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِت وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ تكون خاصة بالأقدار التي يقدرها الله عَزَّ وَجَلَّ، ولا شك أن إعطاء الرسل الآيات هو من أقدار الله عَزَّ وَجَلَّ أيضاً، فيكون في الآية انتقال من معنى إِلَى معنى آخر، مع وجود علاقة ورابطة بينهما، ولا يشترط أن تكون الآية إِلَى آخرها والآيات التي بعدها كلها في موضوع واحد وهو سياق أول الآية الأولى، هذا الذي يظهر والله أعلم، والذي يترجح وهو خلاف ما رجحه المُصنِّف والله أعلم.... قَالَ المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [وفي الآية أقوال أخرى والله أعلم بالصواب]، ومن أراد أن يطلع ويستفصل الأقوال الأخرى فليراجع تفسير ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ للآية، فإنه أطال النفس في تفسير هذه الآية، وذكر الأقوال عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم..
(31) رأى الشيخ الدكتور : سفر الحوالى : دروسه وموقعه) http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showfahras&ftp=ayat&id=6001745
16ـ رأى طائفة من العلماء::  (ابن عثمين) المرجع (فتاوى تتعلق بتفسير بعض الايات) لأصحاب الفضيلة العلماء: -محمد بن ابراهيم 2- عبدالرحمن السعدي 3- عبدالعزيز بن باز 4-محمد بن العثيمين 5- عبدالله الجبرين 6- صالح الفوزان........ ::: قال الله تعالى: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب)وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ؛ لأن جميع ما يكتب مرجعه إلى اللوح المحفوظ؛لأن ما في اللوح المحفوظ لا يغير ولا يبدل وهو الذي تستقر عليه الأمور, وأما مادون ذلك مما يكتب فهذا قابل للمحو والإثبات.  وقد مر علينا أن مع كل إنسان ملكين يكتبان مايفعله: (كلا بل تكذبون بالدين*وإن عليكم لحافظين*كراما كاتبين*يعلمون ما تفعلون*) (الانفطار9-12) هذا الذي يكتب إذا كتب فهو إثبات, فإذا تاب الإنسان من ذلك محي, فهذا محو وإثبات.فيكون المحو والإثبات واقعين في الصحف التى بأيدي الملائكة, أما ما في اللوح المحفوظ فإنه محفوظ وهو المرجع والأم.                 
           (32 ) شبكة ركاب أهل العلم
17ـ  من التأويلات : قال الله تبارك وتعالى(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)وهذا اللوح كتب الله به مقادير كل شيء، ومن جملة ما كتب به أن هذا القرآن سينزل على محمد صلى الله عليه وسلّم فهو في لوح محفوظ، قال العلماء (محفوظ) لا يناله أحد، محفوظ عن التغيير والتبديل، والتبديل والتغيير إنما يكون في الكتب الأخرى, لأن الكتابة من الله عز وجل أنواع,النوع الأول, الكتابة في اللوح المحفوظ وهذه الكتابة لا تبدل ولا تغير، ولهذا سماه الله لوحاً محفوظاً، لا يمكن أن يبدل أو يغير ما فيه,الثاني, الكتابة على بني آدم وهم في بطون أمهاتهم، لأن الإنسان في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكاً موكلاً بالأرحام، فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأن الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نفخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمر بأربع كلمات, بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد,النوع الثالث, كتابة حولية كل سنة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القدر، فإن الله سبحانه وتعالى يقدر في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة، قال الله تبارك وتعالى(فيها يفرق كل أمر حكيم) فيكتب في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة,النوع الرابع, كتابة يومية وهي التي تقوم بها الملائكة حيث يكتبون كل ما يعمله الإنسان في ذلك اليوم ، سواء كان قولاً بلسانه أو عملاً بجوارحه ، أو اعتقاداً بقلبه وذلك في الصحف التي بأيدي الملائكة وهذه الكتابة تكون بعد العمل ، والكتابات الثلاث السابقة كلها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يكتب على الإنسان ما يعمل من قول بلسانه، أو فعل بجوارحه، أو اعتقاد بقلبه، فإن الملائكة الموكلين بحفظ بني آدم أي بحفظ أعمالهم يكتبون قال الله تعالى(كلا بل تكذبون بالدين, وإن عليكم لحافظين, كراماً كاتبين, يعلمون ما تفعلون) فإذا كان يوم القيامة فإنه يعطى هذا الكتاب كما قال تعالى(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً,اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)يعني تعطى الكتاب ويقال لك أنت, اقرأ وحاسب نفسك، أن يقال للشخص تفضل هذا ما عملت حاسب نفسك، فيوم القيامة تعطى هذا الكتاب منشوراً مفتوحًا أمامك ليس مغلقاً، تقرأ ويتبين لك أنك عملت في يوم كذا، في مكان كذا، كذا وكذا، فهو شيء مضبوط لا يتغير، وإذا أنكرت فهناك من يشهد عليك (يوم تشهد عليهم ألسنتهم,وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون)تقول اليد,بطشت، تقول الرجل,مشيت، بل يقول الجلد أيضاً، الجلود تشهد بما لمست (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) فالأمر ليس بالأمر الهين ,عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى مايحب قال(الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات,وإذا رأى مايكره قال ,الحمد لله على كل حال,وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يقول عند المكروه ,الحمد لله على كل حال, أما ما يقوله بعض الناس (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه) فهذا خلاف ما جاءت به السنة،فكأنك الان تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يصبر الإنسان على ما قدر الله عليه مما يسوؤه أو يُسره، لأن الذي قدره الله عز وجل هو ربك وأنت عبده، هو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الصبر وألا تتسخط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال,قال تعالى
(بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) ( 33 ) نقلاً عن موقع http://www.qtr888.com/vb/showthread.php?t=23048
18ـ من التأويلات : كيف نوفق بين قوله تعالى: ((يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) [الرعد:39] وبين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: رُفعت الأقلام وجفت الصحف؟ وضحوا لنا جزاكم الله خيرا لا منافاة بين الأحاديث وبين الآية الكريمة، فإن الآية فسرها أهل العلم بأن المراد منها الشرائع يمحو الله ما يشاء مما شرع ويثبت منها ما شاء سبحانه وتعالى، فينسخ شيئاً ويثبت شيئاً مما شرع سبحانه وتعالى، والبعض فسرها بالحسنات والسيئات، يمحو الله ما يشاء من السيئات بالتوبة وبالحسنات، ويمحو بعض الحسنات بتعاطي ما حرم الله عز وجل مما يزيلها. فالحاصل أنها ليست المراد بها ما سبق به القدر، ما سبق به القدر لا يمحى، ما استقر في علم الله أنه يقع لا يُمحى، بل الأقدار ماضية (رفعت الأقلام وجفت الصحف) فما قدره الله وسبق في علمه أنه يكونُ يكون، وما سبق في علمه أنه لا يكون لا يكون، فهو غير داخل في الآية الكريمة، وإنما الآية فيما يتعلق بالشرائع والأحكام أو بالحسنات والسيئات لا فيما يتعلق بالأقدار،
http://islamme.com/vb/showthread.php?t=34915 هذا هو أصح ما قيل في الآية الكريمة....(34)...

الترجيــــــح : من جماع ما سبق من الآراء ومن الأدلة المستدل بها الثابتة فى الكتاب والسنة وإزاء صراحة أدلة الرأى الأول وتأويلاتهم السائغة فأن الرأى الراجح هو الرأى الأول وهو  القائل بأن الزيادة فى الحديث بالنسبة لمن وصل رحمه على وجه الحصوص هى زيادة حقيقية أى أن عمر الإنسان قد يزيد عما هو قد قدر له بقدر الله أيضاً ولكن بعمله المشار إليه بالحديث وعلى الله قصد السبيل ..
تنبيه :    (  جميع الآيات القرآنية المكتوبة ليست برسم المصحف   )
نتــــــــــائـج البحــــــــــث ::
ــ قد يقال: هل من فائدة أو حكمة من هذا إذا كنا لا نعلم ماذا كتب في صحيفتنا، وماذا كتب في ليلة القدر، وكذلك لا نعلم ما في اللوح المحفوظ، ولم يظهر لنا ما محي وما أثبت؟
فنقول: في ذلك حكمة، ولا يشترط في الحكمة أن نعلم بها نحن البشر. ومما يمكن أن يكون من الحكم في ذلك ما يلي:ـ الأمر الأول: أننا ينبغي لنا أن نتنافس ونتسابق في فعل الخير، مثلاً: نجتهد في الدعاء لأنه يرد القضاء، ونجتهد في صلة الرحم لأنها تبسط في الرزق وتزيد في العمر، ونأخذ بالأسباب كما أمر الله سبحانه وتعالى، وكون ذلك يقع ولا نعلمه أولاً يقع؛ فعلمه عند الله، لكن فائدة هذا لنا نحن هو الاجتهاد في السعي للأخذ بأسباب السعادة والابتعاد عن أسباب الشقاوة، فكما ندفع الجوع بالأكل، ندفع أيضاً الموت أو الأجل بالدعاء، وكذا المصائب ندفعها بالدعاء أو بصلة الرحم وبفعل الخير... إذاً: نحن عندما نجتهد في الطاعات ننازع القدر بالقدر، ونرد القدر بالقدر، وندفع القدر بالقدر، هذا الذي ينبغي أو يجب أن يكون عليه المؤمن. الأمر الثاني: أن الملائكة التي تكتب آجالنا وأعمالنا، وشقاوتنا وسعادتنا -جعلنا الله وإياكم من السعداء في الدنيا والآخرة- هم عباد مكرمون، مصطفون أخيار عند الله سبحانه وتعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] لا يعصونه طرفة عين؛ يستغفرون للذين آمنوا، ويحرصون على أن نفعل الطاعات، وأن نجتنب الموبقات، فإذا رأى الملك أن الله سبحانه وتعالى كتب أن فلاناً يموت بعد كذا من العمر، ثم علمت الملائكة أن الله قد غير ذلك فتدعو له وتفرح وتسر أنه يطيع الله سبحانه وتعالى؛ لأنها مطيعة له عز وجل، فكوننا لا نعلم فالملائكة تعلم ويطلعها الله سبحانه وتعالى كما يطلع من يشاء من خلقه على ما يريد، فكما أطلعهم على آجالنا وأرزاقنا وأعمالنا وأمرهم بكتابتها، فكذلك يطلعهم على مغفرته سبحانه وتعالى، وعلى عفوه ومحوه وإثباته، فإذاً الأمر ليس خاصاً بنا وحدنا، بل له تعلق أيضاً بهؤلاء العباد المكرمين، وأيضاً هؤلاء العباد المكرمون علاقتهم بالله سبحانه وتعالى هي أنهم يرون سعة فضل الله ورحمته، فيكون ذلك أيضاً فيه حكمة ومصلحة، وهو أنهم يعلمون ذلك ويرونه عياناً. الأمر الثالث : وهو إختلاف فهم الصحابة وتأويلهم للنصوص فنجد سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا ابن مسعود يدعوان دعاءاً فيه محو ما هو مكتوب فى اللوح المحفوظ  وهو من الشقاء إلى السعادة وفى المقابل نجد سيدنا بن عباس يقول بأن السعادة والشقاء لا يتغيران من اللوح المحفوظ وهذا الإختلاف يدلنا على أن الإختلاف سنة من الله تعالى ولا تضاد ولا تناقض فى ذلك فالإختلاف فائدته تنوع الأراء بصرف النظر عن الرأى الصحيح .

الخاتمــــــــــة :
ـ أقول وبالله التوفيق فإنه إزاء معرفة من هم  أصحاب الرأى الأول  من بداية سيدنا عمر بن الخطاب وابن مسعود والتابعين والسلف الصالح رضوان الله عليهم ..وإزاء الأدلة الواردة التى ساقها أصحاب الرأى الأول وإزاء واقعها الملموس والمحدود فإننى أميل إلى هذا الرأى القائل بأن الزيادة فى العمر المقصودة فى هذا  الحديث والآية الكريمة زيادة حقيقية بأن عمر الإنسان الواصل يمتد عمره عما هو مقدر له وأيضاً ينقص عمره عما هو مقدر له بالقطع والمعاصى الآخرى المنصوص عليها  وإن القدر قد يتغير ويتبدل عما هو مكتوب على الإنسان . وكانت فكرة البحث بدأت من أحد الأصدقاء جزاه الله خيراً سألنى غى هذه المسألة ولكونى أعلم أن الأمر كبير فقررت عمل بحث فى هذه المسألة  لأقف على الإجابة الصحيحة ولكى أقدم المعلومة كاملة لمن يريد الإستفادة منها .وبالفعل وجدت المسألة أوسع مما كنت أتصورها ولكن بفضل الله وصلنا لنتيجة وأسأل الله تعالى بأن يتقبل هذا العمل وأن ينفعنى به وينفع به غيرى فإنه ولى ذلك والقادر عليه ...اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأعل بفضلك كلمتى الحق والدين وولى علينا من يصلح وانصر إخواننا فى سوريا وليبيا واليمن وفى جميع بلاد المسلمين .اللهم آمين.
بقلم الباحث / محمد الحسين سلامة  .بورسعيد .مصر
صدر فى 8 رمضان  عام الف وربعمائة وإثنين وثلاثون هجرية الموافق 8 / 8/ 20011
. المراجع والأبحاث والمواقع:
( 1 ) ـ أسرار الرسم العثمانى : أ / أبو مسلم / عبد المجيد العرابلي )
 ( 2 ) تفسير القرآن  الطبرى ...تفسير سورة الرعد )
( 3 ) تفسير القرأن العظيم : بن كثير :سورة الرعد : الجزء الثانى )
( 4 ) تفسير القرطبي [ الجامع لأحكام القرآن ] الجزء الخامس : تفسير سورة الرعد ).
( 5 ) تفسير البغوي ـ الحسين البغوى ـ تفسير سورة الرعد )
( 6 ) تفسير التحرير والتنويرـ محمد عاشور ـ تفسير سورة الرعد )
( 7 ) ( تفسير فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدرايةـ للشوكانى ـ تفسير سورة الرعد )
( 8 ) .بيان مشكل الآثار" (7 / 202)
( 9 ) . شعب الإيمان" (6 / 219)
(10) مجموع الفتاوى" (8 / 517)
)11) فتاوى الشيخ ابن جبرين" (54 / 13)
(12) تفسير سورة توح )
(13) فتوى الشيخ الفوزان ‏.‏www.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?hflag=1&bk
 (14)  رأى الإمام الطحاوى   http://sh.rewayat2.com/akida/Web/627/001.htm
( 15 )  فتوى الشيخ / حسن محمد  فى رد على سؤال بهذه المسألة   )
( 16)  فتوى الشيخ / حسن محمد  فى رد على سؤال بهذه المسألة   )
 ( 17 ) فتوى الشيخ المنجد http://www.islamqa.com/ar/ref/145514) (54 / 13)
( 19 ) مكتبة وشبكة المدينة المنورة 
( 20 ) ( فتح البارى بشرح صحيح البخارى )
( 21 ) (1) راجع مجموع فتاوى شيخ الإسلام : 8/540 . (2) راجع المصدر  السابق : 8/517 .(3) فتح الباري : 11/488 .(4) صحيح الجامع الصغير : 3/113 ورقم الحديث : 3232 .(5) راجع في هذا المبحث : مجموع فتاوى شيخ الإسلام : 8/110، 224 .... عقيدة اهل السنة موقع القضاء والقدر  http://www.3gedh.com/alqdr/qda-qdr/qdaqdr09.htm
( 22 ) [فتح الباري : ج10/ص416]    المصدر الجامع الكبير لكتب التراث العربي )
( 23 ) فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز ).  ((http://www.binbaz.org.sa/mat/18407
 ( 24 )   المرجع ... تفسير سورة ق )
( 25 ) فتوى الشيخ  "http://www.alfeqh.com/montda/topic/13070
( 26 ) المصدر :: فتاوى ورسائل للشيخ عبد الرزاق عفيفي ص ٣٤٧ س ٣http://www.bab.com/hotlines/question.cfm?id=598 
(28 ) من خواطر الإمام / محمد متولي الشعراوي )
(  29 ) شرح عقيدة  الطحاوية للشيخ بن عز الحنفى )
(30 ) استفيدت هذه المادة من رسالة ماجستير ل محمد سرور شعبان اسمها الشيخ الالباني ومنهجه في تقرير مسائل الاعتقاد)
( 31 ) رأى الشيخ الدكتور : سفر الحوالى : دروسه وموقعه) http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showfahras&ftp=ayat&id=6001745
(32 ) شبكة ركاب أهل العلم
( 33 ) نقلاً عن موقع http://www.qtr888.com/vb/showthread.php?t=23048


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق