الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الجزء الأول : شرح متن الشاطبية فى القراءات السبع....المقدمة:


مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم :
 اللهم إنا نحمد ك ونشكرك ، ونستهديك ونستغفرك ، ونتوسل إليك بكتابك الحكيم ، ونبيك الكريم ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ، وشفاء صدورنا ، وضياء بصائرنا ، وجلاء أبصارنا ، وذهاب همنا وغمنا .
ونصلي ونسلم علي سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله خاتم أنبيائه، وصفوة رسله، وعلي آله وأصحابه إلي يوم الدين.
وبعد: فالقرآن الكريم منذ نزوله، محط أنظار العلماء، ومناط أفكار الفضلاء، وموضع عنايتهم في القديم والحديث، حتى استفادوا منه علوما كثيرة، وفنونا غزيرة، وإن تعددت جهات نظرهم إليه، وتباينت مشاربهم منه، واختلفت في ذلك مذاهبهم، وكانوا فرقا وطوائف.
ففرقة قصرت بحثها علي ضبط ألفاظه، وتصحيح كلماته، وتحقيق رواياته، وعد آياته.
وطائفة بحثت في معربه ومبنيه، وتخريج وجوهه العربية.
وثالثة عنيت بما فيه من البلاغة وأسرارها، والفصاحة وضروبها، وبينت فصله ووصله، وإطنابه وإيجازه، وحقيقته ومجازه، وأبرزت ما حواه من محسنات، وما اشتمل عليه من بدائع.
وطائفة عنيت ببيان إختلاف وجوه قراءته ووضعت له الضوا بط والمتون التي ساعدت علي حفظه علي مر العصور، هذا العلم الذي كاد يندثر في عصرنا هذا لولا علماؤنا الأفاضل علماء الأزهر الشريف الذين قرروا إنشاء معاهد في إنحاء الجمهورية لدراسة هذا العلم العظيم، لكن الإقبال علي هذا العلم بنسبة ضئيلة لا تناسب قدره  وذلك لعدة أسباب، أولا: كثرة مسائله التي يصعب علي الدارس حصرها في زمن وجيز وهي مدة الدراسة.
ثانيا: نظام المنهج الدراسي، لأنه يدرس من كتابين مختلفين في الأسلوب هما الوافي في شرح الشاطبية، والكتاب الثاني هو الدرة المضيئة لأبن الجزرى، وكلا له المتن الخاص به، وهذا يصعب علي الدارس أن يشتت فكره في جهتين مختلفتين،               وبعض الدارسين يهتموا بدراسة السبع قراء من الشاطبية وترك الثلاثة المكملين لضيق وقت الدراسة وتعتبر دراستهم هذه ناقصة.
ولذا فكرت واستعنت بالله أن اعمل ملخصات تجمع القراء العشرة بشرح مبسط خالي من التوجيهات النحويات بشواهده من الكتابين، شرح الوافي وشرح الدرة مع بيان رقم الآية التي فها الخلاف  ليسهل علي الدارس تحصيل هذه المادة بمجهود أقل حتى يكون دافع له علي الاستمرار والوصول إلي النجاح إن شاء الله ، وقد جعلت متن الشاطبية هو الأساس للشرح وألحقت به متن الدرة ، فكل جزئية من متن الدرة توضع أسفل ما يناسبها من متن الشاطبية بلون يختلف عن متن الشاطبية ، والمعروف أن الثلاثة المكملين هم ورواتهم لا يذكر لهم متن إلا إذا خالف أحد منهم أصله أو انفرد وحده بحكم دون غيره لذلك تجد كثيرا من متن الشاطبية خالي من متن الدرة لموافقة الثلاثة المكملين أصولهم، والدارسين لهذه المادة متفاوتين في القدرات والثقافة ، فمنهم الذي وصل إلي مراحل تعليم عالية ، ومنهم الذي لم يدرس قط إلا أنه يحفظ القرآن ، فهذه الفكرة من هذا العمل تناسب الجميع ، أسأل الله أن يكون هذا العمل نافعا والله ولي التوفيق .
القراءات العامة عن طريق التيس      وعناصره سبع                                                                                
      ص( 5) الإرشادات الجلية

مبادئ علم التجويد

أولا: التعريف، هو علم يعرف به كيفية النطق با لكلمات القرآنية و طريق أدائها اتفاقا واختلافا مع عزو كل وجه لناقله
ثانيا: موضوعه، كلمات القرآن الكريم من حيث أحوال النطق بها وكيفيه أدائها
ثالثا: ثمرته، العصمة من الخطأ بالنطق با لكلمات القرآنيه وصيانتها من التحريف والتغيير، والعلم بما يقرأ به كل قارئ وما لا يقرأ به
رابعا: فضله، هو أشرف العلوم الشرعيه لتعلقه با لقرآن الكريم نسبه لغيره من العلوم
خامسا: واضعه، أئمة القراءة، وقيل حفص بن عمر الدورى، وأول من دون فيه أبو عبيد القاسم بن سلام
سادسا: اسمه، علم القراءات أي جمع قراءة  والقراءة وجه مقروء به
سابعا: استمداده، من النقول الصحيحة والمتواترة عن علماء القراءات الموصولة السند إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثامنا: حكم الشارع فيه، الوجوب الكفائى تعلما وتعليما
تاسعا: مسائله: قواعده الكلية، كقولك كل ألف منقلبة عن ياء يميلها حمزة والكسائى ويقللها ورش بخلف عنه وهكذا.

الفرق بين القراءات والروايات والطرق والخلاف الواجب والجائز

ص 13 الإرشادات الجلية
اعلم أن كل خلاف نسب إلى إمام من الأئمة العشرة مما اجمع عليه الرواة فهي قراءة، وكل ما نسب للراوى عن الإمام فهي رواية، وكل ما نسب للأخذ عن الراوى وإن سفل فهو طريق ؟ مثل إثبات البسملة بين السورتين فهي قراءة ابن كثير ورواية قالون عن نافع وطريق الأزرق عن ورش وهذا هو الخلاف الواجب وهو عين القراءات والروايات والطرق بمعنى أن القارئ ملزم بالإتيان بجميعها عند تلقى القراءات فلو أخل بشئ منها عد نقصا في روايته، أما الخلاف الجائز فهو خلاف الأوجه التي علي سبيل التخيير كأوجه الوقف علي عارض السكون فالقارئ مخير بالإتيان بأي وجه منها فلو أتى بوجه واحد من الثلاثة أجزأ ه ولا يعتبر ذلك نقصا في روايته وهذه الأوجه الاختيارية لا يقال عنها قراءات ولا روايات ولا طرق بل يقال لها أوجه دراية فقط.
شروط جمع القراءات   ص 14
يشترط علي من يريد أن يجمع القراءات شروط أربعة: رعاية الوقف والابتداء، وحسن الأداء، وعدم التركيب، أما رعاية الترتيب والالتزام بتقديم قارئ بعينه فلا يشترط، وقال الإمام أبو حسن السخاوى خلط القراءات بعضها ببعض خطأ ولا يجوز، وقال الإمام الجعبرى التركيب ممتنع في كلمة وفي كلمتين إن تعلقت إحداهما بالأخرى، وقال الإمام ابن الجزرى الصواب عندنا التفصيل، فإن كانت إحدى القراءتين مترتبة علي الأخرى فالمنع من ذلك منع تحريم، كمن يقرأ ( فتلقى آدم من ربه كلمات ) برفعهما أو بنصبهما، ونحو ( وكفلها ز كريا ) بالتشديد والرفع، وشبه مما لا يجيزه العربية ولا يصح في اللغة، أما ما لم يكن كذلك فأنا نفرق فيه بين مقام الروايات وغيرها، فإن قرأ بذلك علي سبيل الرواية لم يجز حيث أنه
كذب في روايته، أما ما لم يكن كذلك. وإن لم يكن علي سبيل الرواية بل علي سبيل القراءة والتلاوة فإنه جائز صحيح مقبول.
أركان القراءة الصحيحة ص 15
يشترط في القراءة الصحيحة أن يجتمع فيها ثلاثة أركان: ( الأول ) أن توافق اللغة العربية بوجه من الوجوه سواء أكان أفصح أم فصيحا مجمعا عليه أم مختلفا فيه مع قوته ( الثاني ) أن تكون موافقة لرسم أحد المصاحف العثمانية ولو إحتمالا. مثل قراءة ابن عامر ( قالوا اتخذ الله ولدا ) في سورة البقرة بغير واو ( وبالزبر وبالكتاب المنير ) بزيادة الباء في الاسمين فإن ذلك ثابت في مصحف الشامي، ومثل (ملك يوم الدين ) فإنه كتب بغير ألف بعد الميم في جميع المصاحف، فقراءة الحذف تحتمل تحقيقا كما كتب (ملك الناس) وقراءة إثبات الألف بعد الميم تحتمل تقديرا كما كتب (مالك الملك ) فتكون الألف بعد الميم في ( ملك يوم الدين ) حذفت اختصارا.
(الثالث ) التواتر: وهوأن يروى القراءة جماعة يستحيل تواطؤهم علي الكذب وعن مثلهم وهكذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون انقطاع في السند

مصادر القراءات (ص 4) الوافي

وصلنا علم القراءات من مصادر كثيرة منها: أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( أقرأني جبريل عليه السلام علي حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف، رواه البخاري ومسلم، وعن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بنى غفار فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على حرفين فقال أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال: ‘ن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرء وا عليه فقد أصابوا رواه مسلم.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله (ص) فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله (ص) فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلبدته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأها ؟ قال أقرأنيها رسول الله (ص) فقلت كذبت فإن رسول الله (ص) قد أقرأنيها غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله (ص) فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها فقال رسول الله (ص) : اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة لتي سمعته يقرأها فقال رسول الله (ص) : كذلك أنزل ثم قال : اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأنيها رسول الله فقال (ص) : كذلك أنزل إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه  رواه البخاري ومسلم .
وعن أبى بن أبى كعب رضى الله عنه قال لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال يا جبريل أنى بعثت إلي أمه أميين فيهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتاب فقال يا محمد إن هذا القرآن انزل على سبع أحرف رواه الترمزي وقال حسن صحيح.
ومن مصادر القراءات أيضا: ما حدث في غزوة أرمنية في عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه، اجتمع المسلمون في هذه الغزوة وكان الجند من مختلف البلاد الإسلامية ومختلفين في أوجه القراءات فأنكر بعضهم قراءة بعض وكان علي رأس الجيش حزيفة بن اليماني مما جعله يسرع إلي الخليفة عثمان مذعورا فقال: ادركهم يا أمير المؤمنين قبل أن يخلطوا والله إني لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من اختلاف حتى بدلوا، مما جعل عثمان رضى الله عنه يقوم بإعادة نسخ القرآن بالطريقة التي تحتمل جميع الوجوه وتشمل جميع اللهجات فكتبه من غير نقط ولا تشكيل لكي يحتمل جميع أوجه الخلاف، ومن مصادر القراءات تناول هذا العلم الصحابة والتابعين والعلماء ووضعوا له الضوابط والمتون حتى يصان، ووصلنا بصورته التى ندرسها الآن، منه الصحيح الذي صح القراءة به، ومنها الشواز الذي لم يصح القراءة به ولكن يدرس للعلم به فقط.
الحكمة في تعدد وجوه القراءات (ص 6) الوافي
إن العرب الذين نزل بلغتهم القرآن لغتهم مختلفة ولهجاتهم متباينة ويتعذر علي الواحد منهم أن ينتقل من لهجته التي درج عليها ومرن لسانه علي التخاطب بها فصارت هذه اللهجة طبيعة من طبائعه وسجية من سجاياه واختلطت بلحمه ودمه بحيث لا يمكن التغاضي عنها والعدول إلي غيرها ولو بطريق التعليم والعلاج وخصوصا الشيخ الكبير والمرأة العجوز والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ قط، كما في حديث الترمزي الآنف الذكر، فلو كلفهم الله تعالى ما يخالف لهجاتهم لشق ذلك عليهم ولكان ذلك من سبيل التكاليف بما لا يدخل تحت الطاقة، فاقتضت رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن يخفف عليها وأن ييسر لها حفظ كتابها وتلاوة دستورها كما يسر لها أمر دينها، وأن يحقق لها أمنية نبيها حين آتاه جبريل عليه السلام فقال:إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك علي حرف فقال رسول الله ( صلى) أسأل الله معافاته ومغفرته 0( الخ ) ولم يزل يردد في المسألة حتى أذن الله أن يقرئ أمته علي سبعة أحرف فكان ( صلى) يقرئ كل قبيلة بم يوافق لغتها ويلائم لسانها.

اختلاف الناس في تفسير الأحرف السبعة والرأي الأقرب للصواب

اختلف الناس اختلاف لاطائل منه، منهم من قال سبعة لغات، وآخرون قالوا سبعة وجوه يعنى الكلمة تقرأ بسبعة اوجه، وغيرهم قالوا معاني الأحكام أي كالحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار، وقيل: الأمر والنهى والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر
وقيل: الوعد والوعيد والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب والتأويل وبعض عامة الناس قالوا: هم القراء المشهورون، نافع وابن كثير وأبى عمر ( الخ ) وكل هذه الأقاويل غير صحيحة والرد علي هذه الأقاويل يلخص فيما يأتي: فالذين قالوا سبعة لغات رد عليهم من تنبل من العلماء: أن اللغات عند العرب أكثر من أربعين لغة وليس سبعة، قالوا: اللغات المشهورة، لغة قريش وهزيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن، فردوا عليهم أن اختلاف عمر رضى الله عنه وهشام بن حكيم في سورة الفرقان وتحكما إلي رسول الله (صلى ) أن الصحابين من قبيلة واحدة ويتكلما بلغة واحدة إذا ليست لغات ولو كانت لغات ما اختلفا، أما ردهم علي الذين قالوا سبعة وجوه، أن الكلمة التي بها سبعة أوجه في جميع القرآن لا تتعد عدد الأصابع والتي أقل من سبعة أوجه لا حصر لها والتي تزيد عن سبعة أوجه عدد كبير جدا، إذا ليست سبعة أوجه كما يقولون لأن السبعة أوجه ليست الأغلبية، وأما ردهم علي الذين قالوا معاني الأحكام، أن الصحابة رضى الله عنهم لم يختلفوا في المعاني ولا في التفسير وكيف يختلفون وعندهم رسول الله (صلى ) المفسر الأعظم وإنما اختلفوا في قراءة حروف القرآن لا تفسيره، وردهم علي الذين قالوا هم القراء المشهورون، أن القراء المشهورون لم يكونوا موجودون في عهد رسول (صلى ) والقراءات نزلت في أول الرسالة رحمة وتخفيفا علي الأمة، وأول من جمع قراءات من الأئمة السبعة ( الإمام أبو بكر بن مجاهد ) في القرن الرابع الهجري وإنما القرآن نزل بالأحرف السبعة في عهد رسول الله تخفيفا علي المسلمين. وإذا كانت ليس لغات ولا وجوه ولا معاني أحكام ولا القراء المشهورون فما هي إذا ؟ والذي نرجحه من المذاهب مذهب (الإمام أبو فضل الرازى ) (والإمام بن الجزري) وإليك جدولا يوضح المذهبين
) رأى الإمام الشاطبي في تفسير الأحرف السبعة

) عن الإمام أبو الفضل الرازي(


الحرف
الخلاف
الأمثله
الأول
اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع.

قوله تعالى ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ). قرئ( مسكين ) بالإفراد وقرئ (مساكين) بالجمع. وقوله تعالى في الحجرات ( فأصلحوا بين أخويكم) على التثنية وعلى الجمع ( أخواتكم ).

اختلاف الأسماء في التذكير والتأنيث.
 قوله تعالــى ( لا يقبل منها شفاعة ) قرئ    يقبل ) بياء التذكير وبتاء التأنيث ( تقبل).
الثانى
إختلاف تصريف الأفعال من ماضى ومضارع وأمر.
قوله تعالى (ومن تطوع خيراً) قرئ ( تطوع) على الماضي وقرئ (يطوع ) بياء وطاء مشدده على أنه فعل مضارع. كذلك قوله تعالى ( قال ربى يعلم ) قرئ ( قال) على الماضي ( وقل ) على الأمر.
الثالث
اختلاف وجوه الإعراب
قوله تعالى ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) قرئ بضم التاء ورفع اللام على أن لا نافية و وقرئ بفتح التاء وجزم اللام على أن لا ناهية. كذلك قوله تــعالـى ( الله الذي له ما في السموات وما في الأرض) قرئ بخفض الهاء فى لفظ الجلالة وقرئ برفعها.
الرابع
الاختلاف بالنقص والزيادة.
قوله تعالى ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) قرئ بإثبات الواو قبل السين وقرئ بحذفها كذلك قوله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) قرئ ( فبما) وقرئ ( بما ).

الخامس

الاختلاف بالتقديم والتأخير
قوله تعالى ( وقاتلوا وقتلوا) وقرئ أيضاً  وقتلوا وقاتلوا) بتقديم ( قتلوا) على ( قاتلوا) كذلك قوله تعالى ( ختامه مسك ) قرئ ( خاتمه

السادس

الاختلاف بالإبدال أي جعل حرف مكان آخر
قوله تعالى ( هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت    قرئ (تبلوا ) وقرئ ( تتلوا) بتاءين.
 كذلك قوله تعالى ( وتوكل على العزيز) وقرئ( فتوكل ) بالفاء.
السابع
الاختلاف في اللهجات
كالفتح والإماله والإظهار والإدغام والتسهيل والتحقيق والتفخيم والترقيق ويدخل فى هذا النوع الكلمات التي اختلفت فيها القبائل نحو ( خطوات، بيوت، زبورا، شنئان، السحت، الأذن، بزعمهم، يعزب)



) رأى الإمام ابن الجزرى فى الأحرف السبعة  (


الحرف
الخلاف
الأمثلة
الأول
ان يكون الاختلاف في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة
نحو ( يحسب ) بفتح السين وكسرها.
الثاني
أن يكون التغير فى المعنى دون الصورة
نحو ( فتلقى آدم من ربه كلمات ) والخلاف في رفع المنصوب ونصب المرفوع.
الثالث
أن يكون التغير في الحروف مع التغير في المعنى لا الصورة
نحو ( تبلوا) قرئت كذلك وقرئت ( تتلوا) بتاءين.
الرابع
أن يكون التغير في الحروف مع التغير في الصورة لا المعنى
نحو ( الصراط) بالصاد وقرئ ( السراط) بالسين.
الخامس
أن يكون التغير في الحروف والصور والمعنى
نحو ( ننساها) من النسيان وقرئ ( ننسأها ) من التأخير.
السادس
أن يكون التغيير في التقديم والتأخير
نحو ( فيقتلون ويقتلون ) على ما فيها من قراءات.
السابع
أن يكون في الزيادة والنقصان
نحو ( ووصى بها إبراهيم ) قرئ ( وأوصى ) بهمزه بين الواوين.

فهذه الوجوه السبعة لا يخرج الاختلاف عنها وهذا رأى ابن الجزري       رموز القراءات العشرة
رموز الشاطبية ومدلولاته بالنسبة للسبع
رموز القراءات الثلاثة المتممين للعشرة ومدلولاتها
العدد
الرمز
المقصود بالرمز
المقصود بالرمز
الرمز
العدد
الأول







أبج
نافع وراوياه قالون وورش
أبو جعفر وراوياه ابن وردان و ابن جماز
ابج
8
أ
نافع
أبو جعفر
أ
ب
قالون
ابن وردان
ب
ج
ورش
ابن جماز
ج
الثانى
دهز
أبن كثير وراوياه البزى وقنبل



د
ابن كثير
هـ
البزى
ز
قنبل
الثالث
حطى
أبو عمرو وراوياه الدورى والسوسى
يعقوب وراوياه روليس وروح
حطى


9
ح
ابو عمرو
يعقوب
ح
ط
الدورى
رويس
ط

ى
السوسى
روح
ى
الرابع
كلم
ابن عامر وراوياه هشام وابن ذكوان




ك
ابن عامر
ل
هشام
م
ابن ذكوان
الخامس
نصع
عاصم وراوياه شعبه وحفص الأسدى






ن
عاصم




ص
أبو بكر ( شعبة)



ع
حفص ( الأسدى)


السادس
فضق
حمزة وراوياه خلف وخلاد
خلف العاشر وروياه إسحاق و إدريس

فضق


10
ف
حمزة
خلف العاشر

ف

ض
خلف
إسحاق
ض

ق
خلاد
إدربس

ق
السابع
رست
الكسائى وراوياه أبو الحارث وحفص الدورى




ر
الكسائى
س
أبو الحارث
ت
حفص ( الدورى)


الاثنين، 18 أبريل 2011

من هو الحاكم العادل ....الحكام العرب ....بستعبدون ...ولا يعدلون .....صور من عدل عمر ...


من هو الحاكم العادل ...الحكام العرب ..لا يستعبدون ولا يعدلون .....
ـ عندما نشاهد صور القتلى والجرحى  على شاشات التليفزيون نشعر أن هذه حرب ما فى بلد متقطعة أو نستعيد فى مخيلتنا المجازر التى إرتكبتها إسرائيل مع المسلمين والعرب على مر الزمان من صبر وشاتيلا إلى غزة ولكن لنفاجأ فى النهاية بأن هذه الصور هى للشعب الليبى أو الشعب السورى أو الشعب اليمنى الأشقاء الشعوب التى خرجت لتقول لحكامها لا نريدكم ولا نريد حكمكم وكفى حكماً وتحكماً فلستم تصلحون للحكم فأنتم أقمتم فينا الظلم والإستبداد والرشوة الفساد وهادنتم العدو وأحببتم الغرب وأهنتمونا وأذللتمونا وجعلتمونا نسير وراء الركب جعلتمونا قطيعاً .. فارحلوا عنا الآن وكفى ما كان .....
ـ ولكن القذافى قذفه الله بالنار فى وجهه الممسوخ ـ  والأسد جعله الله طعاماً للكلاب ـ وطالح لا أصلحه الله أبدا ...
قالوا لا وألف لا لا نترك الحكم ....إلا بعد أن نرى دمائكم تسير أمامنا أنهارا وأموالكم بين أيدينا تلالا وأعراضكم فى بلاطنا خداماً وبعدها نترككم ...
ـ ولكن السؤال الآن : هو لم يصر الأمر حكماً لم يعد الحكام العرب يحكون الناس بل إن الأمر أصبح إستعباداً إذا فمتى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ....
ـ والله سبحانه وتعالى سمه نفسه العدل وحرم الظلم على نفسه وقال ذلك فى الحديث القدسى ( يا عبادى قد حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) ولا أحد فينا ينكر رؤية عدل الله عليه ...
ـ والنبى صلى الله عليه وسلم قد بدأ بالعدل بل وظلم نفسه ...وهو عند غزوة الخندق قد قل الطعام وسح وكان كل صحابى يربط على نفسه حجراً لدرء الجوع وعندما كشف النبى صلى الله عليه وسلم بطنه وجدوه يربط حجرين صلى الله عليه وسلم فلم يأكل هو ويجوع غيره ولم يشرب هو ويعطش غيره وإنما كان مثلاً فى العدل ...
ـ وسيدنا عمر بن الخطاب كان من عدله أن سموه الفاروق عمر ولذا ولكن سأعرض بعض من صور عمر فى العدل حتى يعرف الحكام العرب أنهم بينهم وبين العدل مثل ما بين المشرق والمغرب .....
  .....,,,, لقد كان الفاروق قدوة في عدله، فأسر القلوب وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام به تفتح قلوب الناس للإيمان، وقد سار على ذات نهج الرسول ، فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحا منقطع النظير لا تكاد تصدقه العقول حتى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصعب جدا على كل من عرف شيئا يسيرا من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين، وقد ساعده على تحقيق ذلك النجاح الكبير عدة أسباب ومجموعة من العوامل منها:
1- أن مدة خلافته كانت أطول من مدة خلافة أبي بكر بحيث تجاوزت عشر سنوات في حين اقتصرت خلافة أبي بكر على سنتين وعدة شهور فقط.
2- أنه كان شديد التمسك بالحق حتى إنه كان على نفسه وأهله أشد منه على الناس كما رأينا.
3- أن فقه القدوم على الله كان قويًّا عنده لدرجة أنه كان في كل عمل يقوم به يتوخى مرضاة الله قبل مرضاة الناس، ويخشى الله ولا يخشى أحدًا من الناس.
4- أن سلطان الشرع كان قويًّا في نفوس الصحابة والتابعين بحيث كانت أعمال عمر تلقى تأييدًا وتجاوبًا وتعاونًا من الجميع.
عدل عمر بن الخطاب مع الجميع :
في موطأ الإمام مالك بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ. فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلاَّ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ[3].
وكان يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم، فإذا اجتمعوا قال:
أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فُعل به غير ذلك فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أقيد، وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فأرضوه. فاقتدى منه بمائتي دينار كل سوط بدينارين ولو لم يرضوه لأقاده t.
وعن أنس أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال: عذت معاذًا. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه، ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه. فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني[4].
لقد قامت دولة الخلفاء الراشدين على مبدأ العدل وما أجمل ما قاله ابن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.. بالعدل تستصلح الرجال وتستغزر الأموال.
وأما مبدأ المساواة الذي اعتمده الفاروق في دولته، فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها الإسلام قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
إن الناس جميعًا في نظر الإسلام سواسية، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس أو اللون أو النسب أو الطبقة، والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع سواء، وجاءت ممارسة الفاروق لهذا المبدأ خير شاهد.
مبدأ المساواة في عهد عمر بن الخطاب :
هذه بعض المواقف التي جسدت مبدأ المساواة في دولته:
...,,, لم يقتصر مبدأ المساواة في التطبيق عند خلفاء الصدر الأول على المعاملة الواحدة للناس كافة، وإنما تعداه إلى شئون المجتمع الخاصة، ومنها ما يتعلق بالخادم والمخدوم، فعن ابن عباس أنه قال: قدم عمر بن الخطاب حاجًّا، فصنع له صفوان بن أمية طعامًا، فجاءوا بجفنة يحملها أربعة، فوضعت بين يدي القوم يأكلون وقام الخدام فقال عمر: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنا نستأثر عليهم، فغضب عمر غضبًا شديدًا، ثم قال: ما لقوم يستأثرون على خدامهم، فعل الله بهم وفعل. ثم قال للخادم: اجلسوا فكلوا، فقعد الخدام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين.
ومن صور تطبيق المساواة بين الناس ما قام به عمر عندما جاءه مال فجعل يقسمه بين الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبى وقاص يزاحم الناس، حتى خلص إليه، فعلاه بالدّرّة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك. فإذا عرفنا أن سعدًا كان أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأنه فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد الستة الذين عينهم للشورى؛ لأن رسول الله  مات وهو راض عنهم، وأنه كان يقال له: فارس الإسلام، عرفنا مبلغ التزام عمر بتطبيق المساواة.
...,,, نرى المساواة أمام الشريعة في أسمى درجاتها، فالمتهم هو ابن أمير المؤمنين، ولم يعفه الوالي من العقاب، ولكن الفاروق وجد أن ابنه تمتع ببعض الرعاية، فآلمه ذلك أشد الألم، وعاقب واليه -وهو فاتح مصر- أشد العقاب وأقساه. وأنزل بالابن ما يستحق من العقاب، حرصًا على حدود الله، ورغبة في تأديب ابنه وتقويمه.
بين عمر وجبلة بن الأيهم :
من الأمثلة التاريخية الهامة التي يستدل بها المؤلفون على عدم الهوادة في تطبيق المساواة، ما فعله عمر مع جبلة بن الأيهم وهذه هي القصة:      قصة هامة جداً
كان جبلة آخر أمراء بني غسان من قبل هرقل وكان الغساسنة يعيشون في الشام تحت إمرة دولة الروم، وكان الروم يحرضونهم دائمًا على غزو الجزيرة العربية، وخاصة بعد نزول الإسلام. ولما انتشرت الفتوحات الإسلامية، وتوالت انتصارات المسلمين على الروم، أخذت القبائل العربية في الشام تعلن إسلامها فبدا للأمير الغساني أن يدخل الإسلام هو أيضًا، فأسلم وأسلم ذووه معه.

وكتب إلى الفاروق يستأذنه في القدوم إلى المدينة، ففرح عمر بإسلامه وقدومه، فجاء إلى المدينة وأقام بها زمنًا والفاروق يرعاه ويرحب به، ثم بدا له أن يخرج إلى الحج، وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطئ إزاره رجل من بني فزارة فحله، وغضب الأمير الغساني لذلك -وهو حديث عهد بالإسلام- فلطمه لطمة قاسية هشمت أنفه، فأسرع الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ما حل به، فأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه، ثم سأله فأقر بما حدث، فقال له عمر: ماذا دعاك يا جبلة لأن تظلم أخاك هذا فتهشم أنفه؟ فأجاب بأنه قد ترفق كثيرًا بهذا البدوي وأنه لولا حرمة البيت الحرام لقتله، فقال له عمر: لقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإما أن أقتص له منك.
وزادت دهشة جبلة بن الأيهم لكل هذا الذي يجري وقال: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك. فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما. فقال الأمير الغساني: لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال الفاروق: دع عنك هذا فإنك إن لم تُرضِ الرجل اقتصصت له منك. فقال جبلة: إذًا أتَنَصّر. فقال عمر: إذا تنصرت ضربت عنقك، لأنك أسلمت فإن ارتددت قتلتك.
وهنا أدرك جبلة أن الجدال لا فائدة منه، وأن المراوغة مع الفاروق لن تجدي، فطلب من الفاروق أن يمهله ليفكر في الأمر، فأذن له عمر بالانصراف، وفكر جبلة بن الأيهم ووصل إلى قرار، وكان غير موفق في قراره، فقد آثر أن يغادر مكة هو وقومه في جنح الظلام، وفر إلى القسطنطينية، فوصل إليها متنصرًا، وندم بعد ذلك على هذا القرار أشد الندم.
فلما بعث عمر رسولاً إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام أجابه إلى المصالحة على غير الإسلام, فلما أراد العود قال له هرقل: أَلَقِيتَ ابن عمك هذا الذي ببلدنا؟ يعني جبلة. قال: ما لقيته. قال: ألقه، ثم ائتني أعطك جوابك.
فذهب رسول عمر إلى باب جبلة، فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجمع مثل ما على باب هرقل. قال الرسول: فدخلت عليه فرأيت رجلاً أصهب اللحية ذا سبال، وكان عهدي به أسود اللحية والرأس، فنظرت إليه فأنكرته فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب فذرها في لحيته حتى عُدَّ أصهب، وهو قاعد على سرير قوائمه أربعة أسودٍ من ذهب، فلما عرفني رفعني معه على السرير، وجعل يسألني عن المسلمين فذكرت له خيرًا، وقلت له: قد تضاعفوا أضعافًا على ما تعرف. فقال: وكيف تركت عمر بن الخطاب؟ قلت له: بخير. فأغمه ذلك.
وانحدرتُ عن السرير فقال: لِمَ تأبى الكرامة التي أكرمناك بها؟ قلت: إن رسول الله  نهى عن هذا قال: نعم، ، ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال على ما قعدت. فلما صلى على النبي  طمعت به فقلت: ويحك يا جبلة ألا تسلم وقد عرفت الإسلام وفضله؟ فقال: أَبَعْدَ ما كان مني؟ قلت: نعم، فعل ذلك رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت ارتد عن الإسلام وضرب وجوه الإسلام بالسيف، ثم رجع إلى الإسلام، فقُبل ذلك منه، وخلفته بالمدينة مسلمًا. قال: ذرني من هذا إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته، ويوليني الأمر بعده رجعت إلى الإسلام. فضمنت له التزويج، ولم أضمن الأمر، فأومأ إلى خادم بين يديه فذهب مسرعًا فإذا خدم قد جاءوا يحملون الصناديق فيها الطعام فوضعت ونصبت موائد الذهب وصحاف الفضة، وقال لي: كل. فقبضت يدي وقلت: إن رسول الله  نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة. قال: نعم، ، ولكن نَقِ قلبك وكل فيما أحببت. فأكل في الذهب والفضة، وأكلت في الخلب، فلما رفع بالطعام جيء بطاس الفضة وأباريق الذهب.
فقال: اغسل يدك. فأبيت، وغسل في الذهب والفضة، وغسلت في الصفر، ثم أومأ إلى خادم بين يديه، فمر مُسرعًا فسمعت حِسّا، فالتفت فإذا خدم معهم كراسٍ مرصعة بالجوهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، ثم سمعت حِسًّا، فالتفت فإذا عشر جوارٍ قد أقبلن مضمومات الشعور متكسرات في الحلي عليهن ثياب الديباج، ولم أر قط وجوهًا أحسن منهن، فأقعدهن على الكراسي، ثم سمعت حِسًّا فالتفت فإذا جارية كأنها الشمس حسنًا على رأسها تاج على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر فتيت، وفي يدها اليسرى جام فيه ماء وردٍ، فأومأت إلى الطائر -أو قال: صفرت بالطائر- فوقع في جام الماورد، فاضطرب فيه، ثم أومأت إليه، فوقع في جام المسك والعنبر، فتمرغ فيه، ثم أومأت إليه -أو قال: صفرت به- فطار حتى نزل على صليب في تاج جبلة، فلم يزل يرفرف حتى نفض ما في ريشه عليه، فضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يمينه، فقال لهن: بالله أضحكننا. فاندفعن يغنين بخفق عيدانهن ويقلن -من الكامل:
لله در عصابة نادمتـهم *** يومًا بجـلق في الزمـان الأول
يسقون من ورد البريص عليهم *** بردى يصفق بالرحيق السلسل
أولاد جفنة حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الجواد المفضـل
يغشون حتى ما تهر كلابهم *** لا يسألون عن السواد المقبـل
بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم *** شم الأنوف من الطراز الأول    قال: فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: أتدري من قائل هذا؟ قلت: لا. قال: قائله حسان بن ثابت شاعر رسول الله .ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يساره، فقال لهن: أبكيننا. فاندفعن يغنين بخفق عيدانهن ويقلن -من الخفيف:
لمن الدار أقفرت بمعان *** بين أعلى اليرموك فالجـمـان
ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر *** محلاً لحادثـات الـزمان
قد أراني هناك دهرًا مكينًا *** عند ذي التاج مقعدي ومكاني
ودنا الفصح والولائد ينظمـ *** ـن سراعًا أكلة المرجان
قال: فبكى حتى جعلت الدموع تسيل على لحيته، ثم قال: أتدري من قائل هذه الأبيات؟ قلت: لا. قال: حسان بن ثابت.
ثم أنشأ يقول -من الطويل:
تنصرت الأشراف من أجل لطمةٍ *** وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاجٌ ونخوةٌ *** وبعت لها العين الصحيحـة بالعــور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني *** رجعت إلى القول الـذي قاله عـمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ *** وكنت أسيرًا في ربيعة أو مضـر[5]
ويعود الرسول إلى عمر بن الخطاب t، ثم يرجع إلى جبلة فيجد الناس قد فرغوا من جنازته فيعلم أنه قد كتب عليه الشقاء.
وفي هذه القصة نرى حرص الفاروق على مبدأ المساواة أمام الشرع، فالإسلام قد سوى بين الملك والسوقة، ولا بد لهذه المساواة أن تكون واقعًا حيًّا وليس مجرد كلمات توضع على الورق أو شعار تردده الألسنة.
لقد طبق عمر مبدأ المساواة الذي جاءت به شريعة رب العالمين وجعله واقعًا حيًّا يعيش ويتحرك بين الناس، فلم يتراجع أمام عاطفة الأبوة، ولم ينثن أم ألقاب النبالة، لقد كان ذلك المبدأ العظيم واقعًا حيًّا شعر به كل حاكم ومحكوم، ووجده كل مقهور وكل مظلوم. لقد كان لتطبيق مبدأ المساواة أثره في المجتمع الراشدي فقد أثر الشعور بها على نفوس ذلك الجيل فنبذوا العصبية التقليدية، من الادعاء بالأولوية والزعامة، والأحقية بالكرامة، وأزالت الفوارق الحَسَبية الجاهلية، ولم يطمع شريف في وضيع، ولم ييأس ضعيف من أخذ حقه، فالكل سواء في الحقوق والواجبات، لقد كان مبدأ المساواة في المجتمع الراشدى نورًا جديدًا أضاء به الإسلام جنبات المجتمع الإسلامي، وكان لهذا المبدأ الأثر القوي في إنشائه.
ومن عدله عدم تقييده حرية أبي لؤلؤة مع شكه في أمره.
ومن عدله عدم قتله للهرمزان مع كونه قاتل البراء ومجزأة لأنه أمنه.
وحياة عمر بن الخطاب t تمتلئُ بمثل هذه المواقف التي تدل دلالة واضحة على عدله.
 [1] مسند أحمد: حديث رقم 8846.[2] مصنف عبد الرزاق: 20713.[3] موطأ مالك: كتاب الأقضية - باب الترغيب في القضاء بالحق - حديث رقم 1206.[4] كنز العمال: جزء 12- صفحة 873.[5] الوافي في الوفيات: جزء 1- صفحة 1503.
أخيراً ...لكم الله يا شعوب العرب...فما يحث لكم إستعباد وليس إستعدال .....  
 بقلم ...محمد الحسين سلامة ـ المحامى ....   الخامس عشر جماد الثانى الف وربعمائة وواحد وثلاثون هجرية الموافق  18 /4  /2011.....