من هو الحاكم العادل ...الحكام العرب ..لا يستعبدون ولا يعدلون .....
ـ عندما نشاهد صور القتلى والجرحى على شاشات التليفزيون نشعر أن هذه حرب ما فى بلد متقطعة أو نستعيد فى مخيلتنا المجازر التى إرتكبتها إسرائيل مع المسلمين والعرب على مر الزمان من صبر وشاتيلا إلى غزة ولكن لنفاجأ فى النهاية بأن هذه الصور هى للشعب الليبى أو الشعب السورى أو الشعب اليمنى الأشقاء الشعوب التى خرجت لتقول لحكامها لا نريدكم ولا نريد حكمكم وكفى حكماً وتحكماً فلستم تصلحون للحكم فأنتم أقمتم فينا الظلم والإستبداد والرشوة الفساد وهادنتم العدو وأحببتم الغرب وأهنتمونا وأذللتمونا وجعلتمونا نسير وراء الركب جعلتمونا قطيعاً .. فارحلوا عنا الآن وكفى ما كان .....
ـ ولكن القذافى قذفه الله بالنار فى وجهه الممسوخ ـ والأسد جعله الله طعاماً للكلاب ـ وطالح لا أصلحه الله أبدا ...
قالوا لا وألف لا لا نترك الحكم ....إلا بعد أن نرى دمائكم تسير أمامنا أنهارا وأموالكم بين أيدينا تلالا وأعراضكم فى بلاطنا خداماً وبعدها نترككم ...
ـ ولكن السؤال الآن : هو لم يصر الأمر حكماً لم يعد الحكام العرب يحكون الناس بل إن الأمر أصبح إستعباداً إذا فمتى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ....
ـ والله سبحانه وتعالى سمه نفسه العدل وحرم الظلم على نفسه وقال ذلك فى الحديث القدسى ( يا عبادى قد حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) ولا أحد فينا ينكر رؤية عدل الله عليه ...
ـ والنبى صلى الله عليه وسلم قد بدأ بالعدل بل وظلم نفسه ...وهو عند غزوة الخندق قد قل الطعام وسح وكان كل صحابى يربط على نفسه حجراً لدرء الجوع وعندما كشف النبى صلى الله عليه وسلم بطنه وجدوه يربط حجرين صلى الله عليه وسلم فلم يأكل هو ويجوع غيره ولم يشرب هو ويعطش غيره وإنما كان مثلاً فى العدل ...
ـ وسيدنا عمر بن الخطاب كان من عدله أن سموه الفاروق عمر ولذا ولكن سأعرض بعض من صور عمر فى العدل حتى يعرف الحكام العرب أنهم بينهم وبين العدل مثل ما بين المشرق والمغرب .....
.....,,,, لقد كان الفاروق قدوة في عدله، فأسر القلوب وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام به تفتح قلوب الناس للإيمان، وقد سار على ذات نهج الرسول ، فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحا منقطع النظير لا تكاد تصدقه العقول حتى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصعب جدا على كل من عرف شيئا يسيرا من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين، وقد ساعده على تحقيق ذلك النجاح الكبير عدة أسباب ومجموعة من العوامل منها:
1- أن مدة خلافته كانت أطول من مدة خلافة أبي بكر بحيث تجاوزت عشر سنوات في حين اقتصرت خلافة أبي بكر على سنتين وعدة شهور فقط.
2- أنه كان شديد التمسك بالحق حتى إنه كان على نفسه وأهله أشد منه على الناس كما رأينا.
3- أن فقه القدوم على الله كان قويًّا عنده لدرجة أنه كان في كل عمل يقوم به يتوخى مرضاة الله قبل مرضاة الناس، ويخشى الله ولا يخشى أحدًا من الناس.
4- أن سلطان الشرع كان قويًّا في نفوس الصحابة والتابعين بحيث كانت أعمال عمر تلقى تأييدًا وتجاوبًا وتعاونًا من الجميع.
عدل عمر بن الخطاب مع الجميع :
في موطأ الإمام مالك بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ. فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلاَّ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ[3].
وكان يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم، فإذا اجتمعوا قال:
أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فُعل به غير ذلك فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أقيد، وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فأرضوه. فاقتدى منه بمائتي دينار كل سوط بدينارين ولو لم يرضوه لأقاده t.
وعن أنس أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال: عذت معاذًا. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه، ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه. فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني[4].
لقد قامت دولة الخلفاء الراشدين على مبدأ العدل وما أجمل ما قاله ابن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.. بالعدل تستصلح الرجال وتستغزر الأموال.
وأما مبدأ المساواة الذي اعتمده الفاروق في دولته، فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها الإسلام قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
إن الناس جميعًا في نظر الإسلام سواسية، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس أو اللون أو النسب أو الطبقة، والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع سواء، وجاءت ممارسة الفاروق لهذا المبدأ خير شاهد.
مبدأ المساواة في عهد عمر بن الخطاب :
هذه بعض المواقف التي جسدت مبدأ المساواة في دولته:
...,,, لم يقتصر مبدأ المساواة في التطبيق عند خلفاء الصدر الأول على المعاملة الواحدة للناس كافة، وإنما تعداه إلى شئون المجتمع الخاصة، ومنها ما يتعلق بالخادم والمخدوم، فعن ابن عباس أنه قال: قدم عمر بن الخطاب حاجًّا، فصنع له صفوان بن أمية طعامًا، فجاءوا بجفنة يحملها أربعة، فوضعت بين يدي القوم يأكلون وقام الخدام فقال عمر: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنا نستأثر عليهم، فغضب عمر غضبًا شديدًا، ثم قال: ما لقوم يستأثرون على خدامهم، فعل الله بهم وفعل. ثم قال للخادم: اجلسوا فكلوا، فقعد الخدام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين.
ومن صور تطبيق المساواة بين الناس ما قام به عمر عندما جاءه مال فجعل يقسمه بين الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبى وقاص يزاحم الناس، حتى خلص إليه، فعلاه بالدّرّة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك. فإذا عرفنا أن سعدًا كان أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأنه فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد الستة الذين عينهم للشورى؛ لأن رسول الله مات وهو راض عنهم، وأنه كان يقال له: فارس الإسلام، عرفنا مبلغ التزام عمر بتطبيق المساواة.
...,,, نرى المساواة أمام الشريعة في أسمى درجاتها، فالمتهم هو ابن أمير المؤمنين، ولم يعفه الوالي من العقاب، ولكن الفاروق وجد أن ابنه تمتع ببعض الرعاية، فآلمه ذلك أشد الألم، وعاقب واليه -وهو فاتح مصر- أشد العقاب وأقساه. وأنزل بالابن ما يستحق من العقاب، حرصًا على حدود الله، ورغبة في تأديب ابنه وتقويمه.
بين عمر وجبلة بن الأيهم :
من الأمثلة التاريخية الهامة التي يستدل بها المؤلفون على عدم الهوادة في تطبيق المساواة، ما فعله عمر مع جبلة بن الأيهم وهذه هي القصة: قصة هامة جداً
كان جبلة آخر أمراء بني غسان من قبل هرقل وكان الغساسنة يعيشون في الشام تحت إمرة دولة الروم، وكان الروم يحرضونهم دائمًا على غزو الجزيرة العربية، وخاصة بعد نزول الإسلام. ولما انتشرت الفتوحات الإسلامية، وتوالت انتصارات المسلمين على الروم، أخذت القبائل العربية في الشام تعلن إسلامها فبدا للأمير الغساني أن يدخل الإسلام هو أيضًا، فأسلم وأسلم ذووه معه.
وكتب إلى الفاروق يستأذنه في القدوم إلى المدينة، ففرح عمر بإسلامه وقدومه، فجاء إلى المدينة وأقام بها زمنًا والفاروق يرعاه ويرحب به، ثم بدا له أن يخرج إلى الحج، وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطئ إزاره رجل من بني فزارة فحله، وغضب الأمير الغساني لذلك -وهو حديث عهد بالإسلام- فلطمه لطمة قاسية هشمت أنفه، فأسرع الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ما حل به، فأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه، ثم سأله فأقر بما حدث، فقال له عمر: ماذا دعاك يا جبلة لأن تظلم أخاك هذا فتهشم أنفه؟ فأجاب بأنه قد ترفق كثيرًا بهذا البدوي وأنه لولا حرمة البيت الحرام لقتله، فقال له عمر: لقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإما أن أقتص له منك.
وزادت دهشة جبلة بن الأيهم لكل هذا الذي يجري وقال: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك. فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما. فقال الأمير الغساني: لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال الفاروق: دع عنك هذا فإنك إن لم تُرضِ الرجل اقتصصت له منك. فقال جبلة: إذًا أتَنَصّر. فقال عمر: إذا تنصرت ضربت عنقك، لأنك أسلمت فإن ارتددت قتلتك.
وهنا أدرك جبلة أن الجدال لا فائدة منه، وأن المراوغة مع الفاروق لن تجدي، فطلب من الفاروق أن يمهله ليفكر في الأمر، فأذن له عمر بالانصراف، وفكر جبلة بن الأيهم ووصل إلى قرار، وكان غير موفق في قراره، فقد آثر أن يغادر مكة هو وقومه في جنح الظلام، وفر إلى القسطنطينية، فوصل إليها متنصرًا، وندم بعد ذلك على هذا القرار أشد الندم.
فلما بعث عمر رسولاً إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام أجابه إلى المصالحة على غير الإسلام, فلما أراد العود قال له هرقل: أَلَقِيتَ ابن عمك هذا الذي ببلدنا؟ يعني جبلة. قال: ما لقيته. قال: ألقه، ثم ائتني أعطك جوابك.
فذهب رسول عمر إلى باب جبلة، فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجمع مثل ما على باب هرقل. قال الرسول: فدخلت عليه فرأيت رجلاً أصهب اللحية ذا سبال، وكان عهدي به أسود اللحية والرأس، فنظرت إليه فأنكرته فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب فذرها في لحيته حتى عُدَّ أصهب، وهو قاعد على سرير قوائمه أربعة أسودٍ من ذهب، فلما عرفني رفعني معه على السرير، وجعل يسألني عن المسلمين فذكرت له خيرًا، وقلت له: قد تضاعفوا أضعافًا على ما تعرف. فقال: وكيف تركت عمر بن الخطاب؟ قلت له: بخير. فأغمه ذلك.
وانحدرتُ عن السرير فقال: لِمَ تأبى الكرامة التي أكرمناك بها؟ قلت: إن رسول الله نهى عن هذا قال: نعم، ، ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال على ما قعدت. فلما صلى على النبي طمعت به فقلت: ويحك يا جبلة ألا تسلم وقد عرفت الإسلام وفضله؟ فقال: أَبَعْدَ ما كان مني؟ قلت: نعم، فعل ذلك رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت ارتد عن الإسلام وضرب وجوه الإسلام بالسيف، ثم رجع إلى الإسلام، فقُبل ذلك منه، وخلفته بالمدينة مسلمًا. قال: ذرني من هذا إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته، ويوليني الأمر بعده رجعت إلى الإسلام. فضمنت له التزويج، ولم أضمن الأمر، فأومأ إلى خادم بين يديه فذهب مسرعًا فإذا خدم قد جاءوا يحملون الصناديق فيها الطعام فوضعت ونصبت موائد الذهب وصحاف الفضة، وقال لي: كل. فقبضت يدي وقلت: إن رسول الله نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة. قال: نعم، ، ولكن نَقِ قلبك وكل فيما أحببت. فأكل في الذهب والفضة، وأكلت في الخلب، فلما رفع بالطعام جيء بطاس الفضة وأباريق الذهب.
فقال: اغسل يدك. فأبيت، وغسل في الذهب والفضة، وغسلت في الصفر، ثم أومأ إلى خادم بين يديه، فمر مُسرعًا فسمعت حِسّا، فالتفت فإذا خدم معهم كراسٍ مرصعة بالجوهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، ثم سمعت حِسًّا، فالتفت فإذا عشر جوارٍ قد أقبلن مضمومات الشعور متكسرات في الحلي عليهن ثياب الديباج، ولم أر قط وجوهًا أحسن منهن، فأقعدهن على الكراسي، ثم سمعت حِسًّا فالتفت فإذا جارية كأنها الشمس حسنًا على رأسها تاج على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر فتيت، وفي يدها اليسرى جام فيه ماء وردٍ، فأومأت إلى الطائر -أو قال: صفرت بالطائر- فوقع في جام الماورد، فاضطرب فيه، ثم أومأت إليه، فوقع في جام المسك والعنبر، فتمرغ فيه، ثم أومأت إليه -أو قال: صفرت به- فطار حتى نزل على صليب في تاج جبلة، فلم يزل يرفرف حتى نفض ما في ريشه عليه، فضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يمينه، فقال لهن: بالله أضحكننا. فاندفعن يغنين بخفق عيدانهن ويقلن -من الكامل:
لله در عصابة نادمتـهم *** يومًا بجـلق في الزمـان الأول
يسقون من ورد البريص عليهم *** بردى يصفق بالرحيق السلسل
أولاد جفنة حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الجواد المفضـل
يغشون حتى ما تهر كلابهم *** لا يسألون عن السواد المقبـل
بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم *** شم الأنوف من الطراز الأول قال: فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: أتدري من قائل هذا؟ قلت: لا. قال: قائله حسان بن ثابت شاعر رسول الله .ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يساره، فقال لهن: أبكيننا. فاندفعن يغنين بخفق عيدانهن ويقلن -من الخفيف:
لمن الدار أقفرت بمعان *** بين أعلى اليرموك فالجـمـان
ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر *** محلاً لحادثـات الـزمان
قد أراني هناك دهرًا مكينًا *** عند ذي التاج مقعدي ومكاني
ودنا الفصح والولائد ينظمـ *** ـن سراعًا أكلة المرجان
قال: فبكى حتى جعلت الدموع تسيل على لحيته، ثم قال: أتدري من قائل هذه الأبيات؟ قلت: لا. قال: حسان بن ثابت.
ثم أنشأ يقول -من الطويل:
تنصرت الأشراف من أجل لطمةٍ *** وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاجٌ ونخوةٌ *** وبعت لها العين الصحيحـة بالعــور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني *** رجعت إلى القول الـذي قاله عـمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ *** وكنت أسيرًا في ربيعة أو مضـر[5]
ويعود الرسول إلى عمر بن الخطاب t، ثم يرجع إلى جبلة فيجد الناس قد فرغوا من جنازته فيعلم أنه قد كتب عليه الشقاء.
وفي هذه القصة نرى حرص الفاروق على مبدأ المساواة أمام الشرع، فالإسلام قد سوى بين الملك والسوقة، ولا بد لهذه المساواة أن تكون واقعًا حيًّا وليس مجرد كلمات توضع على الورق أو شعار تردده الألسنة.
لقد طبق عمر مبدأ المساواة الذي جاءت به شريعة رب العالمين وجعله واقعًا حيًّا يعيش ويتحرك بين الناس، فلم يتراجع أمام عاطفة الأبوة، ولم ينثن أم ألقاب النبالة، لقد كان ذلك المبدأ العظيم واقعًا حيًّا شعر به كل حاكم ومحكوم، ووجده كل مقهور وكل مظلوم. لقد كان لتطبيق مبدأ المساواة أثره في المجتمع الراشدي فقد أثر الشعور بها على نفوس ذلك الجيل فنبذوا العصبية التقليدية، من الادعاء بالأولوية والزعامة، والأحقية بالكرامة، وأزالت الفوارق الحَسَبية الجاهلية، ولم يطمع شريف في وضيع، ولم ييأس ضعيف من أخذ حقه، فالكل سواء في الحقوق والواجبات، لقد كان مبدأ المساواة في المجتمع الراشدى نورًا جديدًا أضاء به الإسلام جنبات المجتمع الإسلامي، وكان لهذا المبدأ الأثر القوي في إنشائه.
ومن عدله عدم تقييده حرية أبي لؤلؤة مع شكه في أمره.
ومن عدله عدم قتله للهرمزان مع كونه قاتل البراء ومجزأة لأنه أمنه.
وحياة عمر بن الخطاب t تمتلئُ بمثل هذه المواقف التي تدل دلالة واضحة على عدله.
[1] مسند أحمد: حديث رقم 8846.[2] مصنف عبد الرزاق: 20713.[3] موطأ مالك: كتاب الأقضية - باب الترغيب في القضاء بالحق - حديث رقم 1206.[4] كنز العمال: جزء 12- صفحة 873.[5] الوافي في الوفيات: جزء 1- صفحة 1503.
أخيراً ...لكم الله يا شعوب العرب...فما يحث لكم إستعباد وليس إستعدال .....
بقلم ...محمد الحسين سلامة ـ المحامى .... الخامس عشر جماد الثانى الف وربعمائة وواحد وثلاثون هجرية الموافق 18 /4 /2011.....